لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٥٠
قلباكما. والقول الثاني أن أقل الجمع ثلاثة وهو قول الجمهور العلماء وهو الأصح. إنما حجب العلماء الأم بالأخوين لدليل اتفقوا عليه وهو أن لفظ الاخوة يطلق على الأخوين فما زاد وذلك جائز في اللغة كما تقدم ثم إن الإخوة إذا حجبوا الأم من الثلث إلى السدس فإنهم لا يرثون شيئا البتة بل يأخذ الأب الباقي كرجل مات عن أبوين وأخوين فإن للأم السدس والباقي وهو خمسة أسداس للأب سدس بالفريضة والباقي بالتعصيب قال قتادة : وإنما حجب الأخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب شيئا معونة للأب لأنه يقوم بشأنهم وينفق عليهم دون الأم مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ يعني أن هذه الأنصباء والسهام إنما تقسيم بعد قضاء الدين وإنفاذ وصية الميت في ثلثه وذكر الوصية مقدم على الدين في اللفظ لا في الحكم لأن لفظه أو لا توجب الترتيب. وإنما هي لأحد الشيئين كأنه قال من بعد أحد هذين مفردا أو مضموما إلى الآخر قال علي رضي اللّه عنه : إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين. وبدأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالدين قبل الوصية وهذا إجماع على أن الدين مقدم على الوصية والإرث مؤخر عنهما لأن الدين حق على الميت والوصية حق له وهما يتقدمان على حق الورثة.
قوله تعالى : آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً قيل هذا كلام معترض بين ذكر الوارثين وأنصبائهم وبين قوله فريضة من اللّه ولا تعلق لمعناه بمعنى الآية ومعنى هذا الكلام في قول ابن عباس : إن اللّه عز وجل يشفع المؤمنين بعضهم في بعض فأطوعكم للّه من الآباء والأبناء أرفعكم درجة، فإن كان الوالد أرفع درجة من ولده رفع اللّه درجة ولده إليه وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع اللّه إليه لتقر بذلك أعينهم فقال تعالى :
لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً لأن أحدهما لا يعرف منفعة صاحبه له في الجنة وسبقه إلى منزلة عالية تكون سببا لرفعته إليها، وقيل إن هذا الكلام ليس معترضا بينهما ومعناه متعلق بمعنى الآية يقول آباؤكم وأبناؤكم يعني الذين يرثونكم أيهم أقرب لكم نفعا أي لا تعلمون أيهم أنفع لكم في الدين والدنيا. فمنكم من يظن أن الأب أنفع له فيكون الابن أنفع له ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له ولكن اللّه هو الذي دبر أمركم على ما فيه المصلحة لكم فاتبعوه ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم فتعطون من لا يستحق ما لا يستحق من الميراث وتمنعون منم يستحق الميراث فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ يعني ما قدر من المواريث لأهلها فريضة واجبة إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يعني كان عليما بالأشياء قبل خلقها حكيما فيما قدر من الفرائض وفرض من الأحكام، وقيل معناه عليما بخلقه قبل أن يخلقهم حكيما حيث فرض للصغار مع الكبار ولم يخص الكبار بالميراث كما كانت العرب تفعل وفي معنى لفظة كان ثلاثة أقوال : أحدها أن اللّه تعالى كان عليما بالأشياء قبل خلقها ولم يزل كذلك، الثاني حكى الزّجاج عن سيبويه أنه قال : إن القوم لما شاهدوا علما وحكمة ومغفرة وفضلا قيل لهم إن اللّه كان كذلك ولم يزل اللّه على ما شاهدتم. الثالث قال الخليل الخبر عن اللّه عزّ وجلّ بمثل هذه الأشياء كالخبر بالحال والاستقبال لأن صفات اللّه تعالى لا يجوز عليها الزوال والتقلب. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ