لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٦٣
لا يغالى فيه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه : ألا لا تغالوا في صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند اللّه لكان أولاكم بها نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما علمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية أخرجه الترمذي ولأبي داود نحوه (م) عن أبي سلمة قال : سألت عائشة زوج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كم كان صداق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتي عشر أوقية ونشا قالت : أتدري ما النش؟ قلت : لا قالت : نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم واختلف العلماء في أقل الصداق فذهب جماعة إلى أنه لا تقدير لأقله بل كل ما جاز أن يكون مبيعا أو ثمنا جاز أن يكون صداقا وهو قول ربيعة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقال قوم يتقدر الصداق بنصاب السرقة وهو قول مالك وأبي حنيفة. غير أن نصاب السرقة عند مالك ثلاث دراهم وعند أبي حنيفة عشرة دراهم والدليل على أن الصداق لا يتقدر ما روي عن سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت يا رسول اللّه قد وهبت نفسي لك فنظر إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول اللّه إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال فهل عندك من شي ء؟
فقال لا واللّه يا رسول اللّه فقال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال : لا واللّه ما وجدت شيئا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«انظر ولو خاتما من حديد» فذهب ثم رجع فقال لا واللّه يا رسول اللّه ولا خاتما من حديد ولكن إزاري هذا. قال سهل ما له رداء فلها نصفه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شي ء» فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم موليا فأمر به فدعا له فلما جاء قال ماذا معك من القرآن قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها قال تقرأهن عن ظهر قلب قال نعم قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن وفي رواية فقد زوجتكها تعلمها من القرآن وفي رواية فقد أنكحناكها بما معك من القرآن. أخرجاه في الصحيحين وهذا لفظ الحميدي. ففي هذا الحديث دليل على أنه لا تقدير لأقل الصداق لأنه هل تجد شيئا فهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ثم قال ولو خاتما من حديد ولا قيمة له إلا القليل التافه وفيه دليل على أنه يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقا وهو قول الشافعي ومنعه أصحاب الرأي عن أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل.
أخرجه أبو داود عن عبد اللّه بن عامر عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه أخرجه الترمذي وقال عمر بن الخطاب : ثلاث قبضات من زبيب مهر. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ٢٥]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يعني فضلا وسعة وإنما سمي الغني طولا لأنه ينال به من المراد ما لا ينال مع الفقر والطول هنا كناية عما يصرف إلى المهر والنفقة أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ يعني الحرائر الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني جارية أخيك المؤمن فإن الإنسان لا يجوز له أن يتزوج بجارية نفسه مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ المعنى من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة فليتزوج الأمة المؤمنة والفتيات الجواري المملوكات


الصفحة التالية
Icon