لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٦٨
التكفير الستر والتغطية فصغار الذنوب تكفر بالحسنات ولا تكفر كبارها إلا بالتوبة والإقلاع عنها كما ورد في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن» زاد في رواية ما لم تغش الكبائر وزاد في رواية أخرى ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر أخرجه مسلم. وقوله تعالى : وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً يعني حسنا شريفا وهو الجنة والمعنى إذا اجتنبتم الكبائر وأتيتم الطاعات ندخلكم مدخلا تكرمون فيه. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ أصل التمني إرادة الشيء وتشهي حصول ذلك الأمر المرغوب فيه ومنه حديث النفس بما يكون وبما لا يكون وقيل التمني تقدير الشيء في النفس وتصويره فيها وذلك قد يكون عن تخمين وظن، وقد يكون عن رؤية وأكثر التمني تصور ما لا حقيقة له وقيل التمني عبارة عن إرادة ما يعلم أو يظن أنه لا يكون، عن مجاهد عن أم سلمة قالت : قلت يا رسول اللّه يغزوا الرجال ولا تغزوا النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل اللّه تعالى ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض قال مجاهد : وأنزل إن المسلمين والمسلمات وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة أخرجه الترمذي. وقال هذا حديث مرسل وقيل لما جعل اللّه للذكر مثل حظ الأنثيين من الميراث قالت النساء نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال لأنا ضعيفات وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش منا فأنزل اللّه تعالى هذه الآية وقيل لما نزل قوله للذكر مثل حظ الأنثيين قالت للرجال إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الحسنات في الآخرة فيكون لنا أجرنا على ضعف أجر النساء كما فضلنا عليهن في الميراث، وقالت النساء إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كما لنا في الميراث النصف من نصيبهم. فنزلت هذه الآية والتمني على قسمين : أحدهما أن يتمنى الإنسان أن يحصل له مال غيره مع زوال تلك النعمة عن ذلك الغير فهذا القسم هو الحسد وهو مذموم لأن اللّه تعالى يفيض نعمه على من يشاء من عباده وهذا الحاسد يعترض على اللّه تعالى فيما فعل وربما اعتقد في نفسه أنه أحق بتلك النعمة من ذلك الإنسان أيضا فهذا اعتراض على اللّه أيضا وهو مذموم. القسم الثاني أن يتمنى مثل مال غيره ولا يحب أن يزول ذلك المال عن الغير وهذا هو الغبطة وهذا ليس بمذموم. ومن الناس من منع منه أيضا قال لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين والدنيا.
قال الحسن : لا تتمنى مال فلان ولا تدري لعل هلاكك في ذلك المال فيعلم العبد أن اللّه عزّ وجلّ أعلم بمصالح عباده فليرض بقضائه ولتكن أمنيته الزيادة من عمل الآخرة وليقل : اللّهم اعطني ما يكون صلاحا في ديني ودنياي ومعادي. وقوله تعالى : لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ قال ابن عباس : يعني مما ترك الوالدان والأقربون من الميراث يقول للذكر مثل حظ الأنثيين وقيل هذا الاكتساب في الآخرة يعني أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء لأن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها يستوي في ذلك الرجال والنساء وإن فضل الرجال في الدنيا على النساء وقيل للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب مما اكتسبن يعني من طاعة الأزواج وحفظ الفروج وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ قال ابن عباس : يعني من رزقه وقيل من عبادته وهو سؤال التوفيق للعبادة وقيل لم يأمر اللّه عباده بالمسألة إلا ليعطيهم وفيه تنبيه على أن العبد لا يعين شيئا في الدعاء والطلب لكن يطلب من فضل اللّه ما يكون سببا لصلاح دينه ودنياه وآخرته وقيل لما تمنى النساء أن يكن رجالاو أن يكون لهن مثل ما للرجال نهاهن اللّه عن ذلك وأمرهن أن يسألوه من فضله فإنه أعلم بمصالح عباده إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً يعني أنه تعالى عليم بما يكون صلاحا للسائلين فليقتصر السائل على المجمل في الطلب فإن اللّه تعالى عليم بما يصلحه فلا يتمنى غير الذي قدر له. قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon