لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٧٣
وإن لم يكن على وفق مرادهما وبه قال مالك : ومن قال بهذا القول قال ليس المراد من قول علي للزوج حتى تقر أن رضاه شرط بل معناه أن المرأة لما رضيت بما في كتاب اللّه تعالى. فقال الرجل أما الفرقة فلا يعني ليست الفرقة في كتاب اللّه فقال له علي : كذبت حتى أنكرت أن تكون الفرقة في كتاب اللّه، بل هي في كتاب اللّه فإن قوله تعالى يوفق اللّه بينهما يشتمل على الفراق وعلى غيره لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الإثم والوزر ويكون تارة ذلك بالفراق وتارة بصلاح حاليهما في الوصلة. وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً يعني أن اللّه تعالى يعلم كيف يوفق بين المختلفين ويجمع بين المتفرقين وفيه وعيد شديد للزوجين والحكمين إن سلكوا غير طريق الحق. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
وَاعْبُدُوا اللَّهَ يعني وحدوه وأطيعوه وعبادة اللّه تعالى عبارة عن كل فعل يأتي به العبد لمجرد اللّه تعالى ويدخل فيه جميع أعمال القلوب وأعمال الجوارح وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً يعني وأخلصوا له في العبادة ولا تجعلوا له في الربوبية والعبادة شريكا لأن من عبد مع اللّه غيره أو أراد بعمله غير اللّه فقد أشرك به ولا يكون مخلصا (ق) عن معاذ بن جبل قال : كنت رديف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على حمار يقال له عفير أو اسمه يعفور فقال : يا معاذ هل تدري ما حق اللّه على عباده وما حق العباد على اللّه؟ قلت : اللّه ورسوله أعلم قال : فإن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على اللّه أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول اللّه أفلا أبشر الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا» قوله هل تدري ما حق اللّه على عباده معناه ما يستحقه مما أوجبه وجعله متحتما عليهم ثم فسر ذلك الحق بقوله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وقوله وما حق العباد على اللّه إنما قال حقهم على سبيل المقابلة لحقه عليهم لا لأنهم يستحقون عليه شيئا ويجوز أن يكون من قول الرجل لصاحبه حقك عليّ واجب أي متأكد قيامي به. وقوله أفلا أبشر الناس إلخ إنما قال لا تبشرهم فيتكلوا. لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ذلك أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا على هذه البشارة ويتركوا العمل الذي ترفع لهم به الدرجات في الجنة. وقوله تعالى :
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانا يعني برّا بهما واعطفا عليهما وإنما قرن بر الوالدين بعبادته وتوحيده لتأكد حقهما على الولد. واعلم أن الإحسان بالوالدين هو أن يقوم بخدمتها ولا يرفع صوته عليهما ويسعى في تحصيل مرادهما والإنفاق عليهما بقدر القدرة (ق) عن أبي هريرة قال :«جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك قال ثم من؟ قال ثم أمك؟ قال ثم من؟
قال ثم أمك؟ قال ثم من؟ قال ثم أبوك»
وفي رواية قال :«أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك قوله ثم أباك فيه حذف تقديره ثم بر أباك» (م) عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل من يا رسول اللّه؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة». قوله تعالى : وَبِذِي الْقُرْبى أي وأحسنوا إلى ذي القرابة وهو ذوو رحمه من قبل أبيه وأمه (ق) عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه قال :
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» قوله ينسأ له في أثره يعني يؤخر له في أجله وعمره. وقوله تعالى : وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ أي وأحسنوا إلى اليتامى وإنما أمر بالإحسان إليهم لأن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز والصغر وعدم المشفق والمسكين هو الذي ركبه ذل الفاقة والفقر فتمسكن لذلك (خ) عن سهل بن سعد قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أنا وكافل اليتيم في الجنة» هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا. عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«قال الساعي على الأرملة والمسكين


الصفحة التالية
Icon