لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٨٩
فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا القديم ودين محمد الحديث فقال كعب أنتم واللّه أهدى سبيلا مما عليه محمد فأنزل اللّه تعالى ألم تر يعني يا محمد إلى الذين أوتوا تصيبا من الكتاب يعني كعب بن الأشرف وأصحابه اليهود يؤمنون بالجبت والطاغوت يعني سجودهم للصنمين واختلف العلماء فيهما الجبت والطاغوت كل معبود دون اللّه تعالى، وقيل هما صنمان كانا لقريش وهما اللذان سجد اليهود لهما لمرضاة قريش وقيل الجبت اسم للأصنام والطاغوت شياطين الأصنام ولكل صنم شيطان يعبر فيها ويكلم الناس فيغترون بذلك وقيل الجبت الكاهن والطاغوت الساحر عن قطن بن قبيصة عن أبيه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«العيافة والطيرة والطرق من الجبت» أخرجه أبو داود وقال الطرق الزجر والعيافة الخط وقيل العيافة هي زجر الطير وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا خرج لأمر زجر طيرا فإذا أخذ ذات اليمين مضى في حاجته وإذا أخذ ذات الشمال رجع فنهوا عن ذلك والطرق هو ضرب الحجارة والحصا على طريق الكهانة فنهوا عنه والطيرة هو أن يتطير بالشيء فيرى الشؤم فيه والشر منه وقيل هو من التطير وهو زجر الطائر والخط هو ضرب الرمل لاستخراج الضمير وقيل الجبت كل ما حرم اللّه تعالى والطاغوت كل ما يطغى الإنسان وقيل الجبت هو حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف اليهوديان وكانا طاغية اليهود وَيَقُولُونَ يعني كعب بن الأشرف وأصحابه لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني لكفار قريش هؤُلاءِ يعني أنتم يا هؤلاء أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا يعني طريقا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٢ الى ٥٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني كعب بن الأشرف وأصحابه وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ يعني يطرده من رحمته فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يعني ينصره.
قوله تعالى : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ هذا استفهام انكار يعني ليس لهم من الملك شيء البتة وذلك أن اليهود كانوا يقولون نحن أولى بالملك والنبوة فكيف نتبع العرب فأكذبهم اللّه تعالى وأبطل دعواهم فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً هذا جواب وجزاء لمضمر تقديره ولئن كان لهم نصيب وحظ من الملك فلا يؤتون الناس منه نقيرا وصفهم بالبخل في هذه الآية ووصفهم بالجهل في الآية المتقدمة ووصفهم بالحسد في الآية الآتية. وهذه الخصال كلها مذمومة فكيف يدعون الملك وهي حاصلة فيهم والنقير التي تكون على ظهر النواة ومنها تنبت النخلة ويضرب به المثل في الشيء الحقير التافه الذي لا قيمة له.
قوله عز وجل : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أصل الحسد تمني زوال النعمة عمن هو مستحق لها وربما يكون ذلك مع سعي في زوالها وصف اللّه اليهود بشر خصلة وهي الحسد والمراد بالناس محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وحده وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم اجتمع فيه من خصال الخير والبركة ما لا يجتمع مثله في جماعة ومن هذا القبيل يقال فلان أمة وحده يعني أن يقوم مقام أمة، وقيل المراد بالناس النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه لأن لفظ الناس جمع وحمله على الجمع أولى والمراد بالفضل النبوة لأنها أعظم المناصب وأشرف المراتب، وقيل حسدوه على ما أحلّ اللّه له من النساء وكان له يومئذ تسع نسوة. فقالت اليهود لو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن الاهتمام بأمر النساء فأكذبهم اللّه تعالى ورد عليهم بقوله فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ يعني أنه قد حصل في أولاد إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم جماعة كثيرون جمعوا بين الملك والنبوة مثل داود وسليمان