لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٩٣
الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» (ق) عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلّا إن يؤمر بمعصية اللّه فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (خ) عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب اللّه» وقال ميمون بن مهران هم أمراء السرايا والبعوث وهي رواية عن ابن العباس أيضا ووجه هذا القول أن الآية نازلة فيهم. وقال عكرمة : أراد بأولي الأمر. أبا بكر وعمر لما روي عن حذيفة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» أخرجه الترمذي وقيل هم جميع الصحابة لما روي عن عمر قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» أخرجه رزين في كتابه وروى البغوي بسنده عن الحسن قال إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلّا بالملح» قال الحسن قد ذهب ملحنا فكيف نصلح قال الطبري وأولى الأقوال بالصواب قول من قال هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان للّه عز وجل طاعة وللمسلمين مصلحة وقال الزّجاج : وجملة أولي الأمر من يقوم بشأن المسلمين في أمر دينهم وجميع ما أدى إليه صلاحهم قال العلماء طاعة الإمام واجبة على الرعية ما دام على الطاعة فإذا زال عن الكتاب والسنة فلا طاعة له وإنما تجب طاعته فيما وافق الحق.
وقوله تعالى : فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ يعني اختلفتم في شيء من أمر دينكم والتنازع اختلاف الآراء وأصله من انتزاع الحجة وهو أن كل واحد من المتنازعين ينزع الحجة لنفسه فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أي ردوا ذلك الأمر الذي تنازعتم فيه إلى كتاب اللّه عز وجل وإلى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ما دام حيا وبعد وفاته فردوه إلى سنته والرد إلى كتاب اللّه وسنة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم واجب إن وجد ذلك الحكم في كتاب اللّه أخذ به فإن لم يوجد في كتاب اللّه ففي سنة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فإن لم يوجد في السنة فسبيله الاجتهاد وقيل الرد إلى اللّه ورسوله أن يقول لما لا يعلم اللّه ورسوله أعلم إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني افعلوا ذلك الذي أمرتكم به إن كنتم تؤمنون باللّه وإن طاعته واجبة عليكم وتؤمنون بالميعاد الذي فيه جزاء الأعمال قال العلماء في الآية دليل على أن من لا يعتقد وجوب طاعة اللّه وطاعة الرسول ومتابعة السنة والحكم بالأحاديث الواردة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يكون مؤمنا باللّه وباليوم الآخر ذلِكَ خَيْرٌ يعني رد الحكم إلى اللّه ورسوله خير وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا يعني وأحمد عاقبة وقيل معناه ذلك أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى اللّه ورسوله أحسن تأويلا منكم له وأعظم أجرا. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ٦٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قال ابن عباس : نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي ننطلق إلى محمد وقال المنافق بل ننطلق إلى كعب بن الأشرف وهو الذي سماه اللّه الطاغوت فأبى اليهودي أن يخاصمه إلّا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لليهودي. فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال انطلق بنا إلى عمر فأتيا عمر فقال اليهودي اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه مخاصمي إليك فقال عمر للمنافق أكذلك قال؟ قال نعم فقال لهما عمر : رويدا حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد وقال : هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء اللّه وقضاء رسوله فنزلت هذه الآية وقال جبريل إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق. وقال السدي كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير


الصفحة التالية
Icon