لباب التأويل، ج ١، ص : ٣٩٨
تلك الدرجة بطاعتهم بل إنما نالوها بفضل اللّه تعالى ورحمته ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول اللّه قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه منه بفضل ورحمة» لفظ البخاري ولمسلم نحوه. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ الحذر احتراز من مخوف والمعنى احذروا واحترزوا من عدوكم. ولا تمكنوه من أنفسكم وقيل المراد بالحذر هنا السلاح يعني خذوا سلاحكم وعدتكم لقتال عدوكم وإنما سمي السلاح حذرا لأن به يتقى ويحذر. وقيل معناه احذروا عدوكم ولقائل أن يقول إذا كان المقدور كائنا فما يمنع الحذر فالجواب عنه بأنه لما كان الكل بقضاء اللّه وقدره كان الأمر بأخذ الحذر من قضاء اللّه وقدره فَانْفِرُوا ثُباتٍ أي اخرجوا سرايا متفرقين سرية بعد سرية أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً يعني أو اخرجوا جميعا كلكم مع نبيكم صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جهاد عدوكم وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ نزلت في المنافقين. وإنما قال منكم لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسب وإظهار كلمة الإسلام لا في حقيقة الإيمان والمعنى وإن منكم لمن ليتأخرن وليتثاقلن عن الجهاد وهو عبد اللّه بن أبي ابن سلول المنافق وكان رأس المنافقين فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ أي قتل وهزيمة قالَ يعني هذا المنافق قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ يعني بالقعود إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ يعني مع المؤمنين شَهِيداً يعني حاضر الوقعة فيصيبني ما أصابهم وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ أي فتح وغنيمة لَيَقُولَنَّ يعني هذا المنافق كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ أي معرفة ومودة في الدين والمعنى كأنه ليس من أهل دينكم وذلك أن المنافقين كانوا يوادّون المؤمنين في الظاهر يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ في تلك الغزوة التي غنم فيها المؤمنون فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً أي فآخذ نصيبا وافرا من الغنيمة.
قوله عز وجل : فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا خطاب للمنافق أي فليخلص الإيمان وليقاتل في سبيل اللّه وقيل هو خطاب للمؤمنين المخلصين أي فليقاتل المؤمنون في سبيل اللّه الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ أي يبيعون يقال شريت بمعنى بعت لأنه استبدال عوض بعوض. والمعنى فليقاتل المؤمنون الكافرين الذين يبيعون حياتهم في الدنيا بثواب الآخرة وما وعد اللّه فيها لأهل الإيمان والطاعة وقيل معناه فليقاتل في سبيل اللّه المؤمنون الذين يبيعون الحياة الدنيا ويختارون الآخرة وثوابها على الدنيا الفانية وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أي فيستشهد أَوْ يَغْلِبْ يعني يظفر بعدوه من الكفار فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ يعني في كلا الحالتين الشهادة أو الظفر نؤتيه فيهما أَجْراً عَظِيماً يعني ثوابا وافرا (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«تضمن اللّه لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة» لفظ مسلم. قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال المفسرون : هذا حض من اللّه على الجهاد في سبيله لاستنقاذ