لباب التأويل، ج ١، ص : ٤١٤
أخرجه أبو داود والترمذي : وقال أكثر الفقهاء لو قال اليهودي أو النصراني أنا مؤمن لا يحكم بإيمانه لأنه يدعي أن الذي هو عليه إيمان ولو قال لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه فعند بعض العلماء لا يحكم حتى يتبرأ من دينه الذي كان عليه ويعترف أنه دين باطل وذلك لأن بعض اليهود يزعم أن محمدا رسول إلى العرب خاصة لا أنه رسول إلى كافة الخلق فإذا اعترف أنه رسول إلى كافة الخلق وأن كان عليه من التهود أو التنصر باطل صح إسلامه وحكم بصحته وقوله تعالى : تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني تطلبون الغنيمة التي هي من حطام الدنيا سريعة النفاد والذهاب وعرض الدنيا منافعها ومتاعها فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ أي غنائم كثيرة من رزقه يغنمكوها يغنيكم بها عن قتل من يظهر الإسلام ويتعوذ به. وقيل معناه فعند اللّه ثواب كثير لمن اتقى قتل المؤمن كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ يعني كما كان هذا الذي ألقى إليكم السلام فقلتم له لست مؤمنا فقتلتموه كنتم أنتم من قبل يعني من قبل أن يعز اللّه دينه كنتم تستخفون أنتم بدينكم كما استخفى هذا الذي قتلتموه بدينه من قومه حذرا على نفسه منهم، وقيل معناه كذلك كنتم تأمنون في قومكم بهذه الكلمة فلا تحقروا من قالها ولا تقتلوه وقيل معناه كذلك كنتم من قبل مشركين فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ يعني بالإسلام والهداية فلا تقتلوا من قال لا إله إلّا اللّه وقيل معناه من عليكم بإعلان الإسلام بعد الاختفاء، وقيل من عليكم بالتوبة فَتَبَيَّنُوا أي ولا تعجلوا بقتل مؤمن وهو تأكيد للأمر بالتبين إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً يعني فلا تتهاونوا في القتل وكونوا متحرزين من ذلك محتاطين فيه.
قوله عز وجل :
[سورة النساء (٤) : آية ٩٥]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥)
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ الآية (خ) عن زيد بن ثابت قال :«أملى عليّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم» : لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ فقال : واللّه يا رسول اللّه لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل اللّه عز وجل على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وفخذه على فخذي فثقلت على حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل اللّه عز وجل غير أولى الضرر (ق) عن البراء بن عازب : لما نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زيدا فجاء بكتف فكتبها وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر» وفي رواية أخرى :«لما نزلت لا يستوي القاعدون من المؤمنين قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح والكتف فقال اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللّه وخلف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ابن أم مكتوم فقال يا رسول اللّه أنا ضرير فنزلت مكانها لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل اللّه هذه الرواية الثانية أخرجها ابن الأثير في كتابه جامع الأصول، وأضافها إلى البخاري ومسلم ولم أجدها في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي.
وفي هذه الآية فضل الجهاد في سبيل اللّه والحث عليه فقوله تعالى : لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني لا يعدل المختلفون عن الجهاد في سبيل اللّه من المؤمنين المجاهدين في سبيل اللّه غير أولى الضرر يعني أولى الزمانة والضعف في البدن والبصر فإنهم يساوون المجاهدين لأن العذر أقعدهم عن الجهاد (م) عن جابر قال :«كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم حبسهم المرض»
(خ) عن أنس قال :«رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا


الصفحة التالية
Icon