لباب التأويل، ج ١، ص : ٤٢١
لمن بعده من الأئمة كان كذلك قوله وإذا كنت فيهم وأجيب عن لفظة إذا : بأن مقتضاه الثبوت عند الثبوت وأما العدم عند العدم فغير مسلم.
المسألة الثانية : قال الخطابي : صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في ذلك كله ما هو الأحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة فهي مع اختلاف صورها متفقة المعنى فمن أنواع صلاة الخوف ما إذا كان العدو في غير جهة القبلة. فرق الإمام أصحابه فرقتين فتقف طائفة وجاه العدو فتحرس ويصلّي بالطائفة الأخرى ركعة فإذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم وذهبوا إلى وجاه العدو فيحرسون وتأتي الطائفة الثانية التي كانت تحرس فيصلّي بهم الركعة الثانية ويثبت جالسا في التشهد حتى يتموا لأنفسهم الصلاة ثم يسلم بهم ويدل على ذلك ما روي عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوان عمن صلّى مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وجاه العدو فصلّى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم أخرجاه في الصحيحين الذي صلى مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم هو سهل بن أبي حثمة وقد أخرجاه من رواية أخرى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بأصحابه وذكر نحوه وهذا هو مختار الشافعي لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة وأبلغ في حراسة العدو، وأما كونه أشد موافقة لظاهر القرآن فإن قوله ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك يدل على أن الطائفة الأولى قد صلّت قوله فليصلّوا معك ظاهره يدل على أن جميع صلاة الطائفة الثانية حصلت مع الإمام وكونها أحوط لأمر الصلاة من حيث إنه لا يكثر فيها العمل من المجيء والذهاب وكونها أحوط لأمر الحرب والحراسة من حيث إنه إذا لم يكونوا في الصلاة كان أمكن للحراسة والكر والفر والهرب إن احتاجوا إليه وذهب قوم إلى أن الطائفة الأولى تصلي مع الإمام ركعة ثم تذهب إلى وجه العدو فتحرس وهم في صلاتهم ثم
تأتي الطائفة الثانية فتصلي مع الإمام الركعة الثانية ويسلم الإمام ولا يسلمون هم بل يذهبون إلى وجه العدو، وترجع الطائفة الأولى إلى موضع الإمام فتقضي بقية صلاتها ثم تذهب ثم تأتي الطائفة الثانية إلى موضع الإمام فتقضي بقية صلاتها يروى ذلك عن ابن مسعود وهو مذهب أبي حنيفة ويدل على ذلك ما روي عن ابن عمر قال صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف قال فكبّر فصلّى خلفه طائفة منا وطائفة مواجهة للعدو فركع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا ولم يسلموا وأقبلوا على العدو فصفوا مكانهم وجاءت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى بهم ركعة وسجدتين ثم سلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد تم ركعتين وأربع سجدات ثم قامت الطائفتان فصلّى كل إنسان منهم لنفسه ركعة وسجدتين. أخرجه النسائي قال أبو بكر السني سمع الزهري من ابن عمر ولم يسمع هذا منه والذي أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر قال : صلّى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعة ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة وفي رواية أخرى قال : صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلّى بالذين معه ركعة. وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة وقضت الطائفتان ركعة ركعة وبهذه الرواية المخرجة في الصحيحين أخذ الأوزاعي وأشهب المالكي وهو جائز عند الشافعي أيضا ثم قيل إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا وقيل متفرقين وهو الصحيح والفرق بين الروايتين أن الطائفة الأولى أدركت أول الصلاة وهي في حكم من خلف الإمام.
وأما الطائفة الثانية فلم تدرك أول الصلاة والمسبوق فيما يقضي كالمنفرد في حكم صلاته.
المسألة الثالثة : فيما إذا كان العدو في ناحية القبلة وصورة هذا الصلاة ما روي عن جابر بن عبد اللّه قال :
شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والعدو بيننا وبين القبلة فكبّر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم


الصفحة التالية
Icon