لباب التأويل، ج ١، ص : ٤٣٢
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
وقيل الخليل من الخلة بفتح الخاء وهي الحاجة سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيها وسمي إبراهيم خليلا لأنه جعل فقره وفاقته وحاجته إلى اللّه تعالى. وخلة اللّه للعبد هي تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وستر خلله ونصره والثناء عليه فقد أثنى اللّه عز وجل على إبراهيم عليه السلام وجعله إماما للناس يقتدى به.
واختلفوا في السبب الذي من أجله اتخذ اللّه إبراهيم خليلا فقال ابن عباس كان إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم أبا الضيفان وكان منزله على ظهر الطريق يضيف من مر به من الناس فأصاب الناس شدة قحط فقصد الناس باب إبراهيم يطلبون منه الطعام، وكانت الميرة تأتيه من صديق له بمصر فبعث إبراهيم غلمانه إلى خليله الذي بمصر فقال خليله لغلمان إبراهيم لو كان إبراهيم يريد إنماء الطعام لنفسه احتملنا ذلك له وقد دخل علينا مثل ما دخل على الناس من الشدة فرجع غلمان إبراهيم بغير طعام فمروا ببطحاء من الرمل سهلة فقالوا لو حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بالميرة فإنا نستحي أن نمر بهم وإبلنا فارغة فملؤوا من ذلك الرمل الغرائر التي معهم ثم أتوا إلى إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم فأعلموه وسارة نائمة فاهتم لذلك ولمكان الناس ببابه فغلبته عيناه فنام واستيقظت سارة وقد ارتفع النهار فقالت سبحان اللّه ما جاء الغلمان قالوا بلى قالت فجاؤوا بشيء قالوا نعم فقامت إلى الغرائر ففتحتها فإذا هي ملأى بأجود دقيق يكون حواري فأمرت الخبازين فخبزوا وأطعموا الناس فاستيقظ إبراهيم فوجد ريح الطعام فقال يا سارة من أين لكم هذا؟ فقالت من عند خليلك المصري فقال هذا من عند خليلي اللّه قال فيومئذ اتخذه اللّه خليلا وقيل لما أراه اللّه ملكوت السموات والأرض وحاج قومه في اللّه ودعاهم إلى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان وبذل نفسه للإلقاء في النيران وبذل ولده للقربان وماله للضيفان اتخذه اللّه خليلا وجعله إماما للناس يقتدى به وجعل النبوة فيه وفي ذريته وقيل إن إبراهيم عليه السلام لما كسر الأصنام وعادى قومه في اللّه عز وجل اتخذه اللّه خليلا وقيل لما دخل عليه الملائكة فظنهم ضيفا فقرب إليهم عجلا مشويا وقال كلوا على شرط أن تسموا اللّه في أوله وتحمدوه في آخره فقال جبريل أنت خليل اللّه فمن يومئذ
سمي إبراهيم خليل اللّه (م) عن أنس قال :«جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال يا خير البرية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك إبراهيم خليل اللّه».
(فصل) وقد اتخذ اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا» وعن ابن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ اللّه صاحبكم خليلا» أخرجه مسلم فقد ثبت بهذين الحديثين الخلة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وزاد على إبراهيم عليه السلام بالمحبة فمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم خليل اللّه وحبيبه فقد جاء في حديث عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«ألا وأنا حبيب اللّه ولا فخر» أخرجه الترمذي بأطول منه. قوله تعالى :
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٧]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ قال أهل المعاني : لما دعا اللّه الخلق إلى طاعته وعبادته والانقياد لأمره بيّن سعة ملكه ليرغب الخلق إليه بالطاعة له. وإنما قال ما في السموات وما في الأرض ولم يقل من لأنه