لباب التأويل، ج ١، ص : ٥
خاضوا في الأحاديث قال : أوقد فعلوها قلت نعم قال أما إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول : ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول اللّه قال : كتاب اللّه فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم والفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه اللّه، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه، وهو حبل اللّه المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور. أخرجه الترمذي وقال : حديث غريب وإسناده مجهول وفي الحارث مقال.
(قوله هو الفصل) أي الفاصل بين الحق والباطل ليس بالهزل أي هو جد كله ليس فيه شيء من الهزل، والجبار في صفة الآدمي هو المتسلط العاتي المتكبر على الناس، قصمه اللّه أي أهلكه.
(قوله وهو حبل اللّه المتين) الحبل يرد على وجوه منها العهد ومنها الأمان فإذا اعتصم به الإنسان آواه اللّه تعالى إلى جواره والذكر الشرف والحكيم المحكم العاري من الاختلاف والاضطراب، والصراط المستقيم الطريق الواضح، ومعنى لا تزيغ به الأهواء أي لا يميل عن الحق، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح (خ) عن عثمان عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (ق) عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران».
(قوله الماهر بالقرآن) يعني الحاذق الكامل الحفظ الجيد التلاوة، وقوله : مع السفرة جمع سافر وهو الرسول من الملائكة سمي بذلك لأنه يسفر برسالات اللّه إلى أنبيائه وقيل السفرة الكتبة من الملائكة والبررة المطيعون للّه تعالى فيما يأمر، به ومعنى كونه من الملائكة أن له منازل في الجنة يكون فيها رفيقا لهم. وقوله :
يتعتع أي يتردد في تلاوته لضعف حفظه. له أجران : يعني يحصل له أجر بسبب القراءة وأجر بسبب تعبه فيها والمشقة التي تحصل له فيها وليس معناه أن له أجرا أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل منه وأكثر أجرا (ق) عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب ولا طعم لها، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها فيه دليل على فضيلة حفاظ القرآن واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد، عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب، وقد رفعه بعضهم عن ابن مسعود، ووقفه بعضهم عليه عن ابن عباس قال : قال رجل يا رسول اللّه أي الأعمال أحب إلى اللّه تعالى؟ قال «الحالّ المرتحل». قال : وما الحال المرتحل؟ قال :«الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل». أخرجه الترمذي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند اللّه آخر آية تقرؤها» أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح. عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«يجيء القرآن يوم القيامة فيقول يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة» أخرجه الترمذي وقال :
حديث حسن عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجا ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا» أخرجه أبو