لباب التأويل، ج ١، ص : ٦٧
والمعرفة. وينزل شيء أسود مثل الدخان حتى يدخل مسامعه وذلك غضب اللّه تعالى : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما يعني من الملكين ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أي علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين، كالتمويه والتخييل والنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث اللّه عنده البغضاء والنشوز، والخلاف بين الزوجين ابتلاء من اللّه تعالى لا أن السحر له تأثير في نفسه بدليل قوله : وَما هُمْ يعني السحرة بِضارِّينَ بِهِ أي بالسحر مِنْ أَحَدٍ أي أحدا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بعلمه وقضائه وتكوينه فالساحر يسحر واللّه تعالى يقدر ويكون ذلك بقضائه تعالى وقدرته ومشيئته وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يعني السحر لأنهم يقصدون به الشر وَلَقَدْ عَلِمُوا يعني اليهود لَمَنِ اشْتَراهُ أي اختار السحر ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ يعني ما له نصيب في الجنة وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أي باعوا حط أنفسهم حيث اختاروا السحر والكفر على الدين والحق لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فإن قلت : كيف أثبت اللّه لهم العلم أولا في قوله : ولقد علموا على التوكيد القسمي ثم نفاه عنهم آخر في قوله لو كانوا يعلمون. قلت : قد علموا أن من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق ثم مع هذا العلم خالفوا واشتغلوا بالسحر وتركوا العمل بكتاب اللّه تعالى وما جاءت به الرسل عنادا منهم وبغيا، وذلك على معرفة منهم بما لمن فعل ذلك منهم من العقاب فكأنهم حين لم يعملوا بعلمهم كانوا منسلخين منه.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)
وَلَوْ أَنَّهُمْ يعني اليهود آمَنُوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن وَاتَّقَوْا يعني اليهودية والسحر، وما يؤثمهم لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي لكان ثواب اللّه إياهم خَيْرٌ لهم يعني هذا الثواب لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني ذلك.
قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا سبب نزول هذه الآية : أن المسلمين كانوا يقولون : راعنا يا رسول اللّه من المراعاة أي ارعنا سمعك وفرغه لكلامنا وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا، بلغة اليهود ومعناها عندهم اسمع لا سمعت. وقيل : من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا : راعنا يعني أحمق فلما سمعت اليهود هذه الكلمة من المسلمين قالوا فيما بينهم كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا به الآن فكانوا يأتونه ويقولون راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم فسمعها سعد بن معاذ رضي اللّه تعالى عنه ففطن لها وكان يعرف لغتهم فقال لليهود لئن سمعتها من أحد منكم يقولها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأضربن عنقه فقالوا : أولستم تقولونها فأنزل اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا أي لكي لا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَقُولُوا انْظُرْنا أي انظر إلينا. وقيل معناه انتظرنا وتأن بنا وفهمنا وَاسْمَعُوا أي ما تؤمرون به وأطيعوا نهى اللّه تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا لنبيه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم راعنا لئلا يتطرق أحد إلى شتمه وأمرهم بتوقيره وتعظيمه وأن يتخيروا لخطابه صلّى اللّه عليه وسلّم من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أدقها، وإن سألوه بتبجيل وتعظيم ولين لا يخاطبوه بما يسر اليهود وَلِلْكافِرِينَ يعني اليهود عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)
ما يَوَدُّ أي ما يحب الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني اليهود وَلَا الْمُشْرِكِينَ يعني عبدة الأوثان لأن الكفر اسم جنس تحته نوعان أهل الكتاب وهم الذين بدلوا كتابهم وكذبوا الرسل وعبدة الأوثان وهم من عبدوا غير اللّه أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ يعني ما أنزل اللّه عز وجل على نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم من الوحي والنبوة، وإنما