لباب التأويل، ج ١، ص : ٧٥
نجران كانوا يرجون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، حين كان يصلي إلى بيت المقدس، فلما صرف اللّه القبلة إلى الكعبة أيسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل اللّه تعالى : وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ يعني إلا باليهودية، وَلَا النَّصارى يعني إلا بالنصرانية وهذا شيء لا يتصور إذ لا يجتمع في رجل واحد شيئان في وقت واحد وهو قوله : حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ يعني دينهم وطريقتهم قُلْ أي يا محمد إِنَّ هُدَى اللَّهِ يعني دين اللّه الذي هو الإسلام هُوَ الْهُدى أي يصح أن يسمى هدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ يا محمد أَهْواءَهُمْ يعني أهواء اليهود والنصارى، فيما يرضيهم عنك وقيل :
أهواءهم أقوالهم التي هي أهواء وبدع بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي البيان لأن دين اللّه هو الإسلام وأن القبلة هي قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يعني يلي أمرك ويقوم بك وَلا نَصِيرٍ أي ينصرك ويمنعك من عقابه وقيل : في قوله ولئن اتبعت أهواءهم أنه خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد به أمته، والمعنى إياكم أخاطب ولكم أؤدب وأنهى فقد علمتم أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم قد جاءكم بالحق والصدق وقد عصيته فلا تتبعوا أنتم أهواء الكافرين. ولئن اتبعتم أهواءهم بعد الذي جاءكم من العلم والبينات ما لكم من اللّه من ولي ولا نصير. قوله عز وجل : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال ابن عباس : نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب وكانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة وثمانية من رهبان الشام منهم بحيرا الرهب، وقيل : هم مؤمنو أهل الكتاب مثل عبد اللّه بن سلام وأصحابه. وقيل : هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصة وقيل : هم مؤمنون عامة يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أي يقرءونه كما أنزل لا يغيرونه ولا يحرّفونه ولا يبدلون ما فيه من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقيل : معناه يتبعونه حق اتباعه فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويقفون عنده ويكلون علمه إلى اللّه تعالى. وقيل : معناه تدبروه حق تدبره وتفكروا في معانيه وحقائقه وأسراره أُولئِكَ يعني الذين يتلونه حق تلاوته يُؤْمِنُونَ بِهِ أي يصدقون به. فإن قلنا : إن الآية في أهل الكتاب فيكون المعنى إن المؤمن بالتوراة الذي يتلوها حق تلاوتها هو المؤمن بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم لأن في التوراة نعته وصفته. وإن قلنا : إنها نزلت في المؤمنين عامة فظاهر وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ أي يجحد ما فيه من فرائض اللّه ونبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي خسروا أنفسهم حيث استبدلوا الكفر بالإيمان. قوله عز وجل :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٤]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي أيادي لديكم وصنعي بكم واستنقاذي إياكم من أيدي عدوكم في نعم كثيرة أنعمت بها عليكم وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أي واذكروا تفضيلي إياكم على عالمي زمانكم، وفي هذه الآية عظة لليهود الذي كانوا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكررها في أول السورة وهنا للتوكيد وتذكير النعم وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وفي هذه الآية ترهيب لهم والمعنى يا معشر بني إسرائيل المبدلين كتابي المحرفين له، خافوا عذاب يوم لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ أي لا يقبل منها فدية ولا يشفع لها شافع وهذا من العام الذي يراد به الخاص كقوله تعالى وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ومعنى الآية ولا تنفعها شفاعة إذا وجب عليها العذاب ولم تستحق سواه. وقيل : إنه رد على اليهود في قولهم إن آباءنا يشفعون لنا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي ولا ناصر لهم ينصرهم من اللّه إذا انتقم منهم قوله عز وجل : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ إبراهيم اسم أعجمي ومعناه أب رحيم وهو إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناخور بن شاروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وكان مولد إبراهيم بالسوس من أرض الأهواز وقيل : ببابل وقيل بكوثى وهي قرية من