لباب التأويل، ج ١، ص : ٨
أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبد اللّه بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي اللّه عنهم فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد أنه سمع زيد بن ثابت يقول فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فألحقناها في سورتها في المصحف قال في رواية ابن اليمان مع خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادته رجلين، زاد في رواية قال ابن شهاب : اختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد التابوه وقال عبد اللّه بن الزبير وسعيد بن العاص التابوت، فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال :
اكتبوه التابوت فإنه بلسان قريش.
(شرح غريب ألفاظ الحديثين وما يتعلق بهما) (قوله بعث إلى أبو بكر لمقتل أهل اليمامة) أي لأوان قتلهم وأراد به الوقعة التي كانت باليمامة في زمن أبي بكر الصديق. وهي وقعة الردة مع أصحاب الردة فقتل فيها خلق كثير من قراء القرآن. واليمامة مدينة باليمن على يومين من الطائف وعلى أربعة أيام من مكة، ولها عمائر وهي في عداد أرض نجد (قوله استحرّ القتل) أي كثر، وينسب المكروه إلى الحر والمحبوب إلى البرد. وشرح الصدر سعته وقبوله الخير (قوله فتتبعت القرآن جمعه من الرقاع) جمع رقعة، وهي ما يكتب فيها، والعسب بضم العين والسين المهملتين جمع عسيب وهو جريد النخل وسعفه، واللخاف حجارة بيض رقاق واحدته لخفة. (قوله يغازي أهل الشام) أي مع أهل الشام في فتح إرمينية بكسر الهمزة وتخفيف الياء لا غير، سميت بارمين بن لمطي بن لومن بن يافث بن نوح وهو أول ما نزل بها سميت باسمه وآذربيجان بفتح الهمزة وسكون الذال وغير ذلك في ضبطها. وقال ابن جني فيها خمسة موانع من الصرف : التعريف والتأنيث والعجمة والتركيب والألف والنون، وهو موضع من بلاد العجم يشتمل على بلاد كثيرة.
(قوله حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة) أو مع أبي خزيمة الأنصاري. وفي الحديث الآخر فقدت آية من سورة الأحزاب إلى قوله فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الآية فاعلم أن المذكور في الحديث الأول غير المذكور في الحديث الثاني وهما قضيتان، فأما المذكور في الحديث الأول فهو أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن عمر بن مالك بن النجار الأنصاري، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان، وهو الذي وجدت عنده آخر سورة التوبة، كذا ذكره ابن عبد البر.
وأما المذكور في الحديث الثاني فهو أبو عمارة خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الخطمي الأوسي الأنصاري يعرف بذي الشهادتين شهد بدرا، وما بعدها وقتل يوم صفين مع علي بن أبي طالب.
(قوله فقدت آية من سورة الأحزاب إلى قوله فوجدنا مع خزيمة) معناه أنه كان يطلب نسخ القرآن من الأصل الذي كتب بأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وبين يديه فلم يجد تلك الآية إلّا مع خزيمة، وليس فيه إثبات القرآن بقول الواحد لأن زيدا كان قد سمعها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلم موضعها من سورة الأحزاب بتعليم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما صرح به الحديث قد كنت أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بها وتتبعه الرجال كان للاستظهار لا لاستحداث علم لأن القرآن العظيم كان محفوظا عند زيد وغيره من الصحابة فقد ثبت في الصحيح عن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربعة كلهم من الأنصار أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد يعني ابن ثابت قلت لأنس