لباب التأويل، ج ١، ص : ٨٤
وربالون ويشجرودان ونفتالى وجاد وآشر ويوسف وبنيامين، ثم خاطب يعقوب بنيه فقال يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ أي اختار لكم دين الإسلام فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي مؤمنون مخلصون فالمعنى دوموا على إسلامكم حتى يأتيكم الموت وأنتم مسلمون لأنه لا يعلم في أي وقت يأتي الموت على الإنسان. وقيل : في معنى وأنتم مسلمون أي محسنون الظن باللّه عز وجل يدل عليه ما روي عن جابر قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل موته بثلاثة أيام يقول :«لا يموتن أحدكم إلّا وهو يحسن الظن بربه» أخرجاه في الصحيحين.
قوله عز وجل : أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ جمع شهيد بمعنى الحاضر أي ما كنتم حاضرين إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ أي حين احتضر وقرب من الموت نزلت في اليهود، وذلك لأنهم قالوا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية فأنزل اللّه تعالى هذه الآية تكذيبا لهم، والمعنى أم كنتم يا معشر اليهود شهودا على يعقوب إذ حضره الموت، أي إنكم لم تحضروا ذلك فلا تدّعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل وتنسبوهم إلى اليهودية فإني ما ابتعثت خليلي إبراهيم، وولده وأولادهم إلّا بدين الإسلام، وبذلك وصوا أولادهم وبه عهدوا إليهم ثم بين ما قال يعقوب لبنيه فقال تعالى : إِذْ قالَ يعني يعقوب لِبَنِيهِ يعني لأولاده الاثني عشر ما تَعْبُدُونَ أي أي شيء تعبدون مِنْ بَعْدِي قيل إن اللّه تعالى لم يقبض نبيا حتى يخيره : بين الحياة والموت، فلما خير يعقوب وكان قد رأى أهل مصر يعبدون الأوثان والنيران فقال انظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم فأمهله فجمع ولده وولد ولده قال لهم قد حضر أجلي ما تعبدون من بعدي؟ قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إنما قدم إسماعيل لأنه كان أكبر من إسحاق وأدخله في جملة الآباء وإن كان عما لهم لأن العرب تسمي العم أبا والخالة أمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«عم الرجل صنو أبيه» وقال في عمه العباس «ردوا عليّ أبي» إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي مخلصون العبودية تِلْكَ إشارة إلى الأمة المذكورة، يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ أي مضت لسبيلها والمعنى يا معشر اليهود والنصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق والمسلمين من أولادهم، ولا تقولوا عليهم ما ليس فيهم لَها ما كَسَبَتْ يعني من العمل وَلَكُمْ يعني يا معشر اليهود والنصارى ما كَسَبْتُمْ أي من العمل وَلا تُسْئَلُونَ
عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ يعني كل فريق يسأل عن عمله لا عن عمل غيره. قوله عز وجل : وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قال ابن عباس : نزلت في رؤساء اليهود : كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وأبي ياسر بن أخطب وفي نصارى نجران السيد، والعاقب وأصحابهما، وذلك أنهم خاصموا المؤمنين في الدين، فكل فريق منهم يزعم أنه أحق بدين اللّه فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفروا بعيسى والإنجيل
ومحمد والقرآن وقالت النصارى كذلك، وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين : كونوا على ديننا فلا دين إلّا ذلك فأنزل اللّه عز وجل : قُلْ يعني يا محمد بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ يعني إذا كان لا بد من الاتباع فنتبع ملة إبراهيم لأنه مجمع على فضله حَنِيفاً أصله من الحنف وهو ميل واعوجاج يكون في القدم، قال ابن عباس : الحنيف المائل عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، قال الشاعر :
ولكنا خلقنا إذ خلقنا حنيفا ديننا عن كل دين
والعرب تسمي كل من حج أو اختتن حنيفا تنبيها على أنه على دين إبراهيم، وقيل : الحنيفية الختان وإقامة المناسك مسلما، يعني أن الحنيفية هي دين الإسلام وهو دين إبراهيم عليه السلام وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني إبراهيم وفيه تعريض لليهود والنصارى وغيرهم ممن يدعي اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك، ثم علم المؤمنين طرائق الإيمان فقال تعالى :