لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٠٣
عن ابن عباس قال :«كنت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوما فقيل لي يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ اللّه يحفظك احفظ اللّه تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل اللّه وإذا استعنت فاستعن باللّه واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» أخرجه الترمذي زاد فيه رزين تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدة وفيه «و إن استطعت أن تعمل للّه بالرضا في اليقين فافعل فإن لم تستطع فاصبر فإن الصبر على ما تكره خير كثير واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين» قال ابن الأثير وقد جاء نحو هذا أو مثله بطوله في مسند أحمد بن حنبل.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
قوله عز وجل : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ يعني وهو الغالب لعباده القاهر لهم وهم مقهورون تحت قدرته والقاهر والقهار معناه الذي يدبر خلقه بما يريد فيقع في ذلك ما يشق عليهم ويثقل ويغم ويحزن ويفقر ويميت ويذل خلقه فلا يستطيع أحد من خلقه رد تدبيره والخروج من تحت قهره وتقديره وهذا معنى القاهر في صفة اللّه تعالى لأنه القادر والقاهر الذي لا يعجزه شيء أراده ومعنى فوق عباده هنا أن قهره قد استعلى على خلقه فهم تحت التسخير والتذليل بما علاهم به من الاقتدار والقهر الذي لا يقدر أحد على الخروج منه ولا ينفك عنه فكل من قهر شيئا فهو مستعل عليه بالقهر والغلبة. وقال ابن جرير الطبري : معنى القاهر المتعبد خلقه العالي عليهم وإنما قال فوق عباده لأنه تعالى وصف نفسه بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه فمعنى الكلام إذا واللّه الغالب عباده المذلل لهم العالي عليهم بتذليله إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه. وقيل :
فوق عباده هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به اللّه عز وجل : وَهُوَ الْحَكِيمُ يعني في أمره وتدبير عباده الْخَبِيرُ يعني بأعمالهم وما يصلحهم.
قوله عز وجل : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قال الكلبي أتى أهل مكة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا يا محمد أرنا من يشهد أنك رسول اللّه فإنا لا نرى أحدا يصدقك ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر فأنزل اللّه عز وجل قل يعني يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك من قومك أي شيء أكبر شهادة يعني أعظم شهادة فإن هم أجابوك وإلا قُلْ أنت يا محمد اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قال مجاهد أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يسأل قريشا أي شيء أكبر شهادة ثم أمره أن يخبرهم فيقول اللّه شهيد بيني وبينكم يعني يشهد لي بالحق وعليكم بالباطل الذي تقولونه والحاصل أنهم طلبوا شاهدا مقبول القول يشهد له بالنبوة فبيّن اللّه تعالى بهذه الآية أن أكبر الأشياء شهادة هو اللّه تعالى ثم بيّن أنه يشهد له بالنبوة وهو المراد بقوله : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يعني أن اللّه عز وجل يشهد لي بالنبوة لأنه أوحى إليّ هذا القرآن وهو معجزة لأنكم أنتم الفصحاء البلغاء وأصحاب اللسان وقد عجزتم عن معارضته فكان معجزا وإذا كان معجزا كان نزوله على شهادة من اللّه بأني رسوله وهو المراد بقوله لأنذركم به يعني أوحي إلى هذا القرآن لأخوفكم به وأحذركم مخالفة أمر اللّه عز وجل : وَمَنْ بَلَغَ يعني وأنذر من بلغه القرآن ممن يأتي بعدي إلى يوم القيامة من العرب والعجم وغيرهم من سائر الأمم فكل من بلغ إليه القرآن وسمعه فالنبي صلى اللّه عليه وسلم نذير له قال محمد بن كعب القرظي من بلغه القرآن فكأنما


الصفحة التالية
Icon