لباب التأويل، ج ٢، ص : ١١
تفارقوه. روى البغوي بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول قال جبريل قال اللّه عز وجل :
«هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه» وروى الطبري عن قتادة قال : ذكر لنا أنه يمثل لكل أهل دين دينهم يوم القيامة فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم في الخبر حتى يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول إياك اليوم أقبل وبك اليوم أجزى. وقوله تعالى :
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ هذه الآية من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها اللّه تعالى ومتصلة بها، والمعنى : أن المحرمات وإن كانت محرمة، إلا أنها قد تحل في حالة الاضطرار إليها. ومن قوله تعالى : ذلكم فسق، إلى هنا اعتراض وقع بين الكلامين والغرض منه تأكيد ما تقدم ذكره من معنى التحريم، لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام الذي هو المرضي عند اللّه.
ومعنى الآية : فمن اضطر أي أجهد وأصيب بالضر الذي لا يمكنه معه الامتناع من أكل الميتة. وهو قوله تعالى : في مخمصة، يعني في مجاعة. والمخمصة : خلو البطن من الغذاء عند الجوع. غير متجانف لإثم : يعني غير مائل إلى إثم أو منحرف إليه. والمعنى : فمن اضطر إلى أكل الميتة أو إلى غيرها في المجاعة فليأكل غير متجانف لإثم وهو أن يأكل فوق الشبع. وقول فقهاء العراق. وقيل : معناه غير متعرض لمعصية في مقصد وهو قول فقهاء الحجاز فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يعني لمن أكل من الميتة في حال الجوع والاضطرار.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤]
يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)
قوله عز وجل : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال :«جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم يستأذن عليه فأذن له فلم يدخل فقال : قد أذنّا لك يا رسول اللّه قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب».
قال أبو رافع فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها ثم جئت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته فأمرني بقتله فرجعت إلى الكلب فقتلته فجاؤوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا يا رسول اللّه ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها قال فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ.
وروي عن عكرمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم وسعد بن أبي خيثمة وعويمر بن ساعدة على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا : ماذا أحل لنا فنزلت : يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ قال ابن الجوزي : وأخرج حديث أبي رافع الحاكم في صحيحه قال البغوي : فلما نزلت هذه الآية أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها ونهى عن إمساك ما لا نفع فيه منها (ق) عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية». ولمسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم» وقال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيد الخير قالا : يا رسول اللّه إنّا قوم نصيد بالكلاب وبالبزاة فماذا يحل لنا فنزلت هذه الآية.
قال البغوي : وهذا القول أصح في سبب نزولها. وأما التفسير فقوله تعالى يسألونك يعني يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل كأنهم لما تلا عليهم من خبائث المآكل ما تلا سألوا عما أحل لهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعني قل لهم يا محمد أحل لكم الطيبات يعني : ما ذبح عن اسم اللّه عز


الصفحة التالية
Icon