لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٣٠
هَدانِ يعني إلى توحيده ومعرفته وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ وذلك أنهم قالوا له : احذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسّك بخبل أو جنون لعيبك إياها فأجابهم بقوله ولا أخاف ما تشركون به فإنها جمادات لا تضر ولا تنفع وإنما يكون الخوف ممن يقدر على النفع والضر وهو قوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً يعني لكن أن يشأ ربي شيئا كان ما يشاء لأنه قادر على النفع والضر وإنما قال إبراهيم ذلك لاحتمال أن الإنسان قد يصيبه في بعض حالاته وأيام عمره ما يكرهه فلو أصابه مكروه نسبوه إلى الأصنام فنفى هذه الشبهة بقوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وهذا استثناء منقطع وليس هو من الأول في شيء. والمعنى ولكن إن شاء ربي شيئا كان وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً يعني أحاط علمه بكل شيء فلا يخرج شيء عن علمه أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يعني أفلا تعتبرون أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ولا تنفع وأن الضار هو الذي خلق السموات والأرض ومن فيهما.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٨١ الى ٨٤]
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ يعني وكيف أخاف الأصنام التي أشركتم بها لأنها جمادات لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ يعني وأنتم لا تخافون وقد أشركتم باللّه وهو من أعظم الذنوب ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً يعني ما ليس لكم فيه حجة وبرهان فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني يقول من أولى بالأمن من العذاب في يوم القيامة الموحد أم المشرك الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ وهذا فصل قضاه اللّه بين إبراهيم وبين قومه يعني أن الذين يستحقون الأمن يوم القيامة هم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم. وقيل : هو من تمام كلام إبراهيم في المحاجّة لقومه. والمعنى : إن الذين يحصل لهم الأمن يوم القيامة هم الذين آمنوا يعني آمنوا باللّه وحده ولم يشركوا به شيئا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم يعني ولم يخلطوا إيمانهم بشرك (ق).
عن ابن مسعود قال : لما نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ شق ذلك على المسلمين وقالوا أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول لقمان لابنه يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وفي رواية ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه وذكره. وقيل : في معنى قوله ولم يلبس إيمانهم بظلم، يعني : ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من معاني الظلم وذلك بأن يفعل بعض ما نهى اللّه عنه أو يترك ما أمر اللّه به فعلى هذا القول تكون الآية على العموم لأن اللّه لم يخص به معنى من معاني الظلم دون غيره والصحيح أن الظلم المذكور في هذه الآية هو الشرك لما تقدم من حديث ابن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه وسلم فسّر الظلم هنا بالشرك وفي الآية دليل على أن من مات لا يشرك باللّه شيئا كانت عاقبته الأمن من النار لقوله أُولئِكَ يعني الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لَهُمُ الْأَمْنُ يوم القيامة من عذاب النار وَهُمْ مُهْتَدُونَ يعني إلى سبيل الرشاد. وقوله تعالى : وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ يعني ما جرى بين إبراهيم وبين قومه واستدل على حدوث الكوكب والقمر والشمس بالأفول وقيل لما قالوا لإبراهيم إنّا نخاف عليك من آلهتنا لسبك إياها قال أفلا تخافون أنتم منها إذ سويتم بين الصغير والكبير في العبادة أن يغضب الكبير عليكم؟ وقيل : إنه خاصم قومه المشركين فمالوا أي الفريقين أحق بالأمن من يعبد إلها واحدا مخلصا له الدين والعبادة أم من يعبد أربابا كثيرة