لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٤٦
وقوله تعالى : ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ يعني المؤمن والكافر والطائع والعاصي فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني في الدنيا ويجازيهم على ذلك.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٩]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩)
قوله عز وجل : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ قال محمد بن كعب القرظي والكلبي : قالت قريش يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى فأتنا بآية حتى نصدقك ونؤمن بك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أي شيء تحبون؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا وابعث لنا بعض موتانا نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إن فعلت بعض ما تقولون أتصدقوني؟ قالوا : نعم واللّه لئن فعلت لنتبعك أجمعون. وسأل المسلمون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجعل يدعو اللّه عز وجل أن يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبريل فقال ما شئت إن شئت أصبح ذهبا ولكن إن لم يصدقوك لنعذبهم وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بل يتوب تائبهم فأنزل اللّه عز وجل : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يعني وحلفوا باللّه جهد أيمانهم يعني وحلفوا باللّه جهد أيمانهم يعني أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها. قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل باللّه فهو جهد يمينه لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ يعني كما جاءت من قبلهم من الأمم لَيُؤْمِنُنَّ بِها يعني ليصدقن بها قُلْ يعني قل يا محمد إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ يعني أن اللّه تعالى قادر على إنزالها وَما يُشْعِرُكُمْ يعني : وما يدريكم.
ثم اختلف في المخاطبين بقوله وما يشعركم فقيل هو خطاب للمشركين الذين أقسموا باللّه وقيل هو خطاب للمؤمنين واختلفوا في قوله أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ فقرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصم إنها بكسر الألف على الابتداء وقالوا تم الكلام عند قوله وما يشعروكم على معنى وما يدريكم ما يكون منهم ثم ابتدأ فقال : أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ فمن جعل الخطاب للمشركين قال معناه وما يشعركم أيها المشركون أنها يعني الآيات إنها إذا جاءت آمنتم. ومن جعل الخطاب للمؤمنين قال معناه وما يشعركم أيها المؤمنون إذا جاءت آمنوا لأن المؤمنين كانوا يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو اللّه أن يريهم ما اقترحوا حتى يؤمنوا فخاطبهم اللّه بقوله :
وَما يُشْعِرُكُمْ ثم ابتدأ فقال تعالى إنها : إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وهذا في قوم مخصوصين حكم اللّه عز وجل عليهم بأنهم لا يؤمنون وذلك لسابق علمه فيهم وقرأ الباقون أنها بفتح الألف وجعلوا الخطاب في ذلك للمؤمنين لأن المؤمنين هم الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنزال الآيات حتى يؤمن المشركون بها إذا رأوها لأن المشركين كانوا حلفوا أنهم إذا جاءتهم آية آمنوا وصدقوا واتبعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأحب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنزال الآيات لذلك فقال اللّه تعالى : وما يشعركم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون فعلى هذا اختلفوا في لفظة لا من قوله لا يؤمنون فقيل هي صلة والمعنى وما يشعركم إنها إذا جاءت يؤمنون وقيل هي على بابها وفيه حذف والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءتهم يؤمنون أو لا يؤمنون وقيل إن بمعنى لعل في قوله إنها إذا جاءت وكذلك هو في قراءة أبيّ بن كعب لعلها إذا جاءت وهذا سائغ في كلام العرب تقول العرب : أئت السوق أنك تشتري لنا شيئا، بمعنى لعلك ومنه قول عدي بن زيد :
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
يعني لعل منيتي.