لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٥٢
ناسيا : وهو قول ابن سيرين والشعبي ونقله الإمام فخر الدين الرازي عن مالك، ونقل عن عطاء أنه قال : كل ما لم يذكر اسم اللّه عليه من طعام أو شراب فهو حرام. احتجوا في ذلك بظاهر هذه الآية. وقال الثوري وأبو حنيفة :
إن ترك التسمية عامدا لا تحل وإن تركها ناسيا تحل. وقال الشافعي : تحل الذبيحة سواء ترك التسمية عامدا أو ناسيا، ونقله البغوي عن ابن عباس ومالك ونقل ابن الجوزي عن أحمد روايتين : فيما إذا ترك التسمية عامدا وإن تركها ناسيا حلت فمن أباح أكل الذبيحة التي لم يذكر اسم اللّه عليها قال : المراد من الآية الميتات وما ذبح على اسم الأصنام بدليل أنه قال تعالى في سياق الآية وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وأجمع العلماء على أن آكل ذبيحة المسلم التي ترك التسمية عليها لا يفسق واحتجوا أيضا في إباحتها بما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي اللّه تعالى عنها قالت : قلت يا رسول اللّه إن هنا أقواما حديثا عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان فما ندري يذكرون اسم اللّه عليها أم لا قال اذكروا أنتم اسم اللّه وكلوا» قالوا لو كانت التسمية شرطا للإباحة لكان الشك في وجودها مانعا من أكلها كالشك في أصل الذبح وقول الشافعي في أول الآية وإن كان عاما بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة وهي قوله وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم أنكم لمشركون علمنا أن المراد من هذا العموم هو الخصوص والفسق ذكر اسم غير اللّه في الذبح ما قال في آخر السورة قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلى قوله أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فصار هذا الفسق الذي أهلّ لغير اللّه به مفسرا لقوله وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وإذا كان كذلك كان قوله :
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ مخصوصا بما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ واللّه أعلم.
وقوله تعالى : وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ يعني أن الشياطين يوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم ويخاصموا محمدا صلى اللّه عليه وسلم، وذلك أن المشركين قالوا يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها فقال : اللّه قتلها قالوا فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الكلب والصقر حلال وما قتله اللّه حرام فأنزل اللّه عز وجلّ هذه الآية، وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية في تحريم الميتة كتبت فارس، وهم المجوس، إلى مشركي قريش أن خاصموا محمدا وقولوا له إن ما ذبحت فهو حلال، وما ذبحه اللّه فهو حرام فأنزل اللّه : وأن الشياطين، يعني مردة الإنس وهم المجوس، ليوحون إلى أوليائهم، يعني مشركي قريش، وكان بين فارس والعرب مولاة ومكاتبة على الروم، فعلى هذا يكون المراد بالوحي المكاتبة في خفية وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ يعني في أكل الميتة، وما حرم اللّه عليكم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يعني أنكم إذا مثلهم في الشرك، قال الزجاج : فيه دليل على أن كل من أحل شيئا مما حرم اللّه أو حرم شيئا مما أحل اللّه فهو مشرك إنما سمي مشركا لأنه أثبت حاكما غير اللّه عز وجل ومن كان كذلك فهو مشرك.
قوله عز وجل : أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ يعني أو من كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان وإنما جعل الكفر موتا لأنه جعل الإيمان حياة لأن الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبهه بالحياة وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يعني وجعلنا له نورا يستضيء به في الناس ويهتدي به إلى قصد السبيل، قيل : النور هو الإسلام لأنه يخلص من ظلمات الكفر لقوله : يخرجهم من الظلمات إلى النور.