لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٦٦
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤) قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)
مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ وهذه أربعة أزواج أخر بقية الثمانية قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ وتفسير هذه الآية نحو ما تقدم وفي هاتين الآيتين تقريع وتوبيخ من اللّه تعالى لأهل الجاهلية بتحريمهم ما لم يحرمه اللّه وذلك أنهم كانوا يقولون : هذه أنعام وحرث حجر. وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وكانوا يحرمون بعضها على الرجال والنساء وبعضها على النساء دون الرجال كما أخبر اللّه عنهم في كتابه فلما جاء الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وكان خطيبهم مالك بن عوف الجشمي فقال : يا محمد بلغنا أنك تحرم أشياء مما كان آباؤنا يفعلونه، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قد حرمتم أصنافا من النعم على غير أصل وإنما خلق اللّه هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع فمن أين جاء هذا التحريم من قبل الذكر أم من قبل الأنثى؟ فسكت مالك بن عوف وتحير ولم يتكلم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم يا مالك ألا تتكلم؟ فقال : بل أنت تتكلم وأسمع منك، قال المفسرون : فلو قال جاء التحريم من قبل الذكر بسبب الذكورة وجب أن يحرم جميع الذكور ولو قال بسبب الأنوثة وجب أن يحرم جميع الإناث وإن كان باشتمال الرحم عليه فينبغي أن يحرم الكل لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى.
وأما تخصيص التحريم بالولد الخامس أو السابع أو بالبعض دون البعض فمن أين ذلك التحريم؟ فاحتج اللّه على بطلان دعواهم بهاتين الآيتين وأعلم نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن كل ما قالوه من ذلك وأضافوه إلى اللّه فهو كذب على اللّه وأنه لم يحرم شيئا من ذلك وأنهم اتبعوا في ذلك أهواءهم وخالفوا أمر ربهم.
وذكر الإمام فخر الدين في معنى الآية وجهين آخرين ونسبهما إلى نفسه، فقال : إن هذا الكلام ما ورد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم بل هو استفهام على سبيل الإنكار يعني إنكم لا تقرون بنبوة نبي ولا تعترفون بشريعة شارع فكيف تحكمون بأن هذا يحل وهذا يحرم.
والوجه الثاني : إنكم حكمتم بالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي مخصوصا بالإبل فاللّه تعالى بيّن أن النعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة وهي : الضأن والمعز والبقر والإبل فلم لم تحكموا بهذه الأحكام في هذه الأنواع الثلاثة وهي الضأن والمعز والبقر فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم دون هذه الأنواع الثلاثة.
قوله تعالى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا يقول اللّه لنبيه صلى اللّه عليه وسلم قل لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين يزعمون أن اللّه حرم عليهم ما حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث هل شاهدتم اللّه حرم هذا عليكم ووصاكم به فإنكم لا تقرون بنبوة أحد من الأنبياء فكيف تثبتون هذه الأحكام وتنسبونها إلى اللّه عز وجل. ولما احتج اللّه عليهم بهذه الحجة وبين أنه لا مستند لهم في ذلك قال تعالى : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني فمن أشد ظلما وأبعد عن الحق ممن يكذب على اللّه ويضيف تحريم ما لم يحرمه اللّه إلى اللّه ليضل الناس بذلك ويصدهم عن سبيل اللّه جهلا منه إذ ليس هو على بصيرة وعلم في ذلك الذي ابتدعه ونسبه إلى اللّه ويقول إن اللّه أمرنا بهذا، قيل : أراد به عمرو بن لحي لأنه أول من بحر البحائر وسيب السوائب وغير دين إبراهيم عليه السلام ويدخل في هذا الوعيد كل من كان على طريقته أو ابتدع شيئا لم يأمر اللّه به ولا رسوله ونسب


الصفحة التالية
Icon