لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٦٩
وأبو صالح : الألية مما حملت ظهورهما وهذا القول مختص بالغنم لأن البقر ليس لها ألية أَوِ الْحَوايا وهي المباعر، في قول ابن عباس وجمهور المفسرين واحدتها حاوية وحوية، وقيل : الحوايا المباعر والمصارين وهي الدوائر التي تكون في بطن الشاة والمعنى أن الشحم المتلصق بالمباعر والمصارين غير محرم على اليهود أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يعني من شحم الألية لأنه اختلط بالعصعص وكذا الشحم المختلط بالعظام التي تكون في الجنب والرأس والعين فكل هذا حلال على اليهود فحاصل هذا أن الذي حرم عليهم شحم الثرب وشحم الكلية وما عدا ذلك فهو حلال عليهم (ق).
عن جابر بن عبد اللّه قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة «إن اللّه حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال : لا هو حرام. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند ذلك : قاتل اللّه اليهود إن اللّه لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» قوله : جملوه يعني أذابوه يقال أجملت الشحم وجملته إذا أذبته وجملته أكثر وأفصح.
وقوله تعالى : ذلِكَ جَزَيْناهُمْ أي ذلك التحريم جزيناهم عقوبة بِبَغْيِهِمْ يعني بسبب بغيهم وظلمهم وهو قتل الأنبياء وأخذ الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل وَإِنَّا لَصادِقُونَ يعني في الإخبار عن بغيهم وفي الإخبار عن تخصيصهم بهذا التحريم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٧ الى ١٤٨]
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعني فإن كذبك اليهود يا محمد فيما أخبرناك أنا حرمنا عليهم وأحللنا لهم مما بينّاه في هذه الآية المتقدمة فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ يعني بتأخير العقوبة عنكم فإن رحمته تسع المسيء والمحسن فلا يعجل بالعقوبة على من كفر به أو عصاه وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ يعني ولا يرد عذابه ونقمته إذا جاء وقتهما عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لما لزمتهم الحجة وتيقنوا بطلان ما كانوا عليه من الشرك باللّه وتحريم ما لم يحرمه اللّه أخبر اللّه تعالى عنهم بما سيقولونه فقال تعالى : سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني مشركي قريش والعرب لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا يعني من قبل، قال المفسرون : جعلوا قولهم لو شاء اللّه ما أشركنا حجة على إقامتهم على الكفر والشرك. وقالوا : إن اللّه قادر على أن يحول بيننا وبين ما نحن عليه حتى لا نفعله فلولا أنه رضي ما نحن عليه وأراده منا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ يعني ما حرموه من البحائر والسوائب وغير ذلك، فقال اللّه عز وجل ردا وتكذيبا لهم كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من كفار الأمم الخالية الذي كانوا قبل قومك كذبوا أنبياءهم وقالوا مثل قول هؤلاء حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا يعني عذابنا.
( (فصل)) استدل القدرية والمعتزلة بهذه الآية فقالوا : إن القوم لما قالوا لو شاء اللّه ما أشركنا كذبهم اللّه ورد عليهم بقوله كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وأيضا فإن اللّه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار صريح مذهب الجبرية وهو قولهم لو شاء اللّه منا أن لا نشرك لم نشرك ولمنعنا عن هذا الكفر وحيث لم يمنعنا عنه ثبت أنه مريد له وإذا أراده منا امتنع تركه منا وأجيب عن هذا بأن اللّه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا لو شاء اللّه ما أشركنا ثم ذكر عقيبة كذلك كذب الذين من قبلهم وهذا التكذيب ليس هو في قولهم لو شاء اللّه ما أشركنا، بل ذلك القول حق