لباب التأويل، ج ٢، ص : ١٩٠
وأما إبليس فلم يسأله التوبة وسأله أن ينظره فأعطى كل واحد مهما ما سأل وقال الضحاك في قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا قال : هي الكلمات التي تلقّاها آدم عليه الصلاة والسلام من ربه عز وجل.
( (فصل)) وقد استدل من يرى صدور الذنب من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية وأجيب عنه بأن درجة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الرفعة والعلو والمعرفة باللّه عز وجل مما حملهم على الخوف منه والإشفاق من المؤاخذة بما لم يؤاخذ به غيرهم وأنهم ربما عوتبوا بأمور صدرت منهم على سبيل التأويل والسهو فهم بسبب ذلك خائفون وجلون وهي ذنوب بالإضافة إلى علو منصبهم وسيئات بالنسبة إلى كمال طاعتهم لا أنها ذنوب كذنوب غيرهم ومعاص كمعاصي غيرهم فكان ما صدر منهم، مع طهارتهم ونزاهتهم وعمارة بواطنهم بالوحي السماوي والذكر القدسي وعمارة ظواهرهم بالعمل الصالح والخشية للّه عز وجل، ذنوبا وهي حسنات بالنسبة إلى غيرهم كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين. يعني أنهم يرونها بالنسبة إلى أحوالهم كالسيئات وهي حسنات لغيرهم. وقد تقدم في سورة البقرة أن أكل آدم من الشجرة هل كان قبل النبوة أو بعدها؟ والخلاف فيه فأغنى عن الإعادة واللّه أعلم.
قوله تعالى : قالَ اهْبِطُوا قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه اللّه : إن الذي تقدم ذكره هو آدم وحواء وإبليس فقوله اهبطوا يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة. وقال الطبري : قال اللّه تعالى لآدم وحواء وإبليس والحية اهبطوا يعني من السماء إلى الأرض قال السدي رحمه اللّه : قوله تعالى : اهْبِطُوا يعني إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يعني أن العداوة ثابتة بين آدم وإبليس والحية وذرية كل واحد من آدم وإبليس وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ يعني موضع قرار تستقرون فيه، وقال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما في قوله تعالى : وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ يعني القبور وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ يعني ولكم فيها متاع تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا أو إلى انقضاء آجالكم ومعنى الآية أن اللّه عز وجل أخبر آدم وحواء وإبليس والحية أنه إذا أهبطهم إلى الأرض فإن بعضهم لبعض عدو وأن لهم في الأرض موضع قرار يستقرون فيه إلى انقضاء آجالهم ثم يستقرون في قبورهم إلى انقطاع الدنيا. قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما في قوله تعالى : وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ يعني إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا قالَ فِيها تَحْيَوْنَ يعني : قال اللّه عز وجل لآدم وذريته وإبليس وأولاده فيها تحيون يعني في الأرض تعيشون أيام حياتكم وَفِيها تَمُوتُونَ يعني : وفي الأرض تكون وفاتكم وموضع قبوركم وَمِنْها تُخْرَجُونَ يعني : ومن الأرض يخرجكم ربكم ويحشركم للحساب يوم القيامة.
قوله عز وجل : يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ اعلم أن اللّه عز وجل لما أمر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض وجعلها مستقرا لهم أنزل عليهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدين والدنيا فكان مما أنزل عليهم اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا فأما منفعته في الدين فإنه يستر العورة وسترها شرط في صحة الصلاة وأما منفعته في الدنيا فإنه يمنع الحر والبرد فامتنّ اللّه على عباده بأن أنزل عليهم لباسا يواري سوءاتهم فقال تعالى : يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ يعني لباسا تسترون به عوراتكم.
فإن قلت ما معنى قوله قد أنزلنا عليكم لباسا.
قلت ذكر العلماء فيه وجوها أحدها : أنه بمعنى خلق أي خلقنا لكم لباسا أو بمعنى رزقناكم لباسا.
الوجه الثاني : أن اللّه تعالى أنزل المطر من السماء وهو سبب نبات اللباس فكأنه أنزله عليهم.
الوجه الثالث : أن جميع بركات الأرض تنسب إلى السماء وإلى الإنزال كما قال تعالى : وأنزلنا الحديد وَرِيشاً الريش للطائر معروف وهو لباسه وزينته كالثياب للإنسان فاستعير للإنسان لأنه لباسه وزينته والمعنى