لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٠٢
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٤]
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)
قوله تعالى : وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ يعني ونادى أهل الجنة أهل النار وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار تقول أهل الجنة يا أهل النار أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا يعني ما وعدنا في الدنيا على ألسنة رسله من الثواب على الإيمان به وبرسله وطاعته حقا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا يعني من العذاب على الكفر قالُوا نَعَمْ يعني قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة نعم وجدنا ذلك حقا.
فإن قلت : هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟
قلت : ظاهر قوله ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار يفيد العموم والجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
فإن قلت : إذا كانت الجنة في السماء والنار في الأرض فكيف يمكن أن يبلغ هذا النداء أو كيف يصح أن يقع.
قلت : إن اللّه تعالى قادر على أن يقوي الأصوات والأسماء فيصير البعيد كالقريب.
وقوله تعالى : فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يعني نادى مناد وأعلم لأن أصل الأذان في اللغة الإعلام. والمعنى نادى مناد أسمع الفريقين وهذا المنادي من الملائكة وقيل إنه إسرافيل صاحب الصور ذكره للواحدي أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ يعني يقول المؤذن إن لعنة اللّه على الظالمين ثم فسر الظالمين من هم فقال تعالى :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني الذين يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام وَيَبْغُونَها عِوَجاً يعني ويحاولون أن يغيروا دين اللّه وطريقته التي شرع لعباده ويبدلونها. وقيل معناه أنهم يصلون لغير اللّه ويعظمون ما لم يعظمه اللّه وذلك أنهم طلبوا سبيل اللّه بالصلاة لغير اللّه وتعظيم ما لم يعظمه اللّه فأخطئوا الطريق وضلوا عن السبيل وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ يعني وهم بكون الآخرة واقعة جاحدون منكرون لها.
قوله عز وجل : وَبَيْنَهُما حِجابٌ يعني بين الجنة والنار وقيل بين أهل الجنة وأهل النار حجاب وهو المذكور في قوله تعالى : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ قال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار. وقال السدي وبينها حجاب هو السور وهو الأعراف وقوله : وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ الأعراف : جمع عرف وهو كل مرتفع من الأرض ومنه قيل عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من الجسد سمي بذلك لأنه بسبب ارتفاعه صار أعرف وأبين مما انخفض، وقال السدي : إنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس. وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : الأعراف الشيء المشرف وعنه قال الأعراف سور كعرف الديك وعنه أن الأعراف جبل بين الجنة والنار. يحبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار واختلف العلماء في صفة الرجال الذين أخبر اللّه عنهم أنهم على الأعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك فروي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي اللّه تعالى فيهم، قال بعضهم : إنما جعلوا


الصفحة التالية
Icon