لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٠٤
على الأعراف ليكونوا درجة متوسطة بين الجنة والنار فإذا رأوا أهل الجنة وعرفوهم ببياض وجوههم نادوهم أن سلام عليكم وهو قوله تعالى وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعني : نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة أن سلام عليكم يعني سلمتم من الآفات وحصل لكم الأمن والسلامة وإذا رأوا أهل النار يعرفونهم بسواد وجوههم قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وإن قلنا : إن أصحاب الأعراف هم الأشراف والأفاضل من أهل الجنة كان جلوسهم على الأعراف ليطلعوا على أهل الجنة وأهل النار ثم لينقلهم اللّه عز وجل إلى الدرجات العلية في الجنة.
وقوله تعالى : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ يعني في دخول الجنة. قال الحسن : ما جعل اللّه ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)
قوله تعالى : وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ يعني وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار يعني وجاههم وحيالهم فنظروا إليهم وإلى سواد وجوههم وما هم فيه من العذاب قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني الذين ظلموا أنفسهم بالشرك، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : إن أصحاب الأعراف إذا نظروا لأهل النار وعرفوهم قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين والمعنى أن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وما هم فيه من العذاب تضرعوا إلى اللّه تعالى وسألوه أن لا يجعلهم منهم.
قوله تعالى : وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يعني ونادى أصحاب الأعراف رجالا كانوا عظماء في الدنيا وهم من أهل النار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ يعني سيما أهل النار قالُوا يعني أصحاب الأعراف لهؤلاء الذين عرفوهم في النار ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يعني ما كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ يعني وما أغنى عنكم تكبركم عن الإيمان شيئا. قال الكلبي : ينادونهم وهم على السور يا وليد بن المغيرة يا أبا جهل بن هشام يا فلان ويا فلان ثم ينظرون إلى الجنة فيرون فيها الفقراء والضعفاء ممن كانوا يستهزئون بهم مثل سلمان وصهيب وخباب وبلال وأشباههم فيقول أصحاب الأعراف لأولئك الكفار أَهؤُلاءِ لفظ استفهام يعني أهؤلاء الضعفاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ باللّه لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ يعني أنكم حلفتم أنهم لا يدخلون الجنة وقد دخلوا الجنة ثم يقول اللّه تعالى لأصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بفضلي ورحمتي لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ وقيل إن أصحاب الأعراف إذا قالوا لأصحاب النار ما أخبر اللّه عنهم قال لهم أهل النار إن أولئك دخلوا الجنة وأنتم لم تدخلوها فيعيرونهم بذلك ويقسمون إنهم لا يدخلون الجنة ولا ينالهم اللّه برحمة فتقول الملائكة لأهل النار أهؤلاء يعني أصحاب الأعراف الذين أقسمتم لا ينالهم اللّه برحمة ثم تقول الملائكة لأصحاب الأعراف : ادخلوا الجنة برحمة اللّه لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. قوله عز وجل :