لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢١٦
واحدا من القبيلة فيتوجه قوله أخاهم لأنه واحد منهم وقيل إنه لم يكن من القبيلة ثم ذكروا في تفسير هذه الإخوة وجهين :
الأول : قال الزجاج : إنه كان من بني آدم ومن جنسهم لا من الملائكة ويكفي هذا القدر في تسمية الأخوة.
والمعنى إنّا أرسلنا إلى عاد واحدا من جنسهم من البشر ليكون الفهم والأنس بكلامه أتم وأكمل ولم نبعث إليهم من غير جنسهم مثل الملك أو الجن.
والثاني : إنه أخاهم يعني صاحبهم والعرب تسمي صاحب القوم أخاهم وكانت منازل عاد بالأحقاف باليمن والأحقاف الرمل الذي عند عمان وحضر موت قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أي اعبدوا اللّه وحده ولا تجعلوا معه إلها آخر فإنه ليس لكم إله غيره والفرق بين قوله في قصة نوح وهنا قال إن نوحا كان مواظبا على دعوة قومه غير متوان فيها لأن الفاء تدل على التعقيب.
وأما هود فلم يكن كذلك بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء فأخبر اللّه تعالى عنه بقوله قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ يعني أفلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره ولما كانت هذه القصة منسوقة على قصة قوم نوح وقد علموا ما حل بهم من الفرق حسن قوله هنا. أفلا تتقون يعني أفلا تخافون ما نزل بهم العذاب ولم يكن قبل واقعة قوم نوح شيء حسن تخويفهم من العذاب فقال هناك إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ يعني إنا لنراك يا هود في حمق وجهالة وضلالة عن الحق. والصواب : أخبر اللّه تعالى عن قومه نوح أنهم قالوا له إنا لنراك في ضلال مبين وأخبر عن قوم هود أنهم قالوا إنا لنراك في سفاهة والفرق بينهما أن نوحا لما خوف قومه بالطوفان وطفق في عمل السفينة قال له قومه عند ذلك إنا لنراك في ضلال مبين حيث تتعب في إصلاح سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء وأما هود عليه السلام فإنه لما زيف عبادة الأصنام ونسب من عبدها إلى السفه وهو قلة العقل قابلوه بمثله فقالوا إنا لنراك في سفاهة وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ يعني في ادعائك أنك رسول من عند اللّه قالَ يعني قال هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ يعني ليس الأمر كما تدعون أن بي سفاهة وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ يعني إليكم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٨ الى ٧٢]
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي يعني أؤدي إليكم ما أرسلني به من أوامره ونواهيه وشرائعه وتكاليفه وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ يعني فيما آمركم به من عبادة اللّه عز وجل وترك عبادة ما سواه أَمِينٌ يعني على تبليغ الرسالة وأداء النصح والأمين الثقة على ما ائتمن عليه. حكى اللّه عن نوح عليه الصلاة والسلام، أنه قال وأنصح لكم وحكى عن هود عليه الصلاة والسلام أنه قال : وأنا لكم ناصح فالأول بصيغة الفعل والثاني بصيغة اسم الفاعل والفرق بينهما أن صيغة الفعل تدل على تجدد النصح ساعة بعد ساعة فكان نوح يدعو قومه ليلا ونهارا كما أخبر اللّه عنه بقوله


الصفحة التالية
Icon