لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٢٠
وأما قيل فإنه اختار لنفسه ما يصيب قومه فقيل له إنه الهلاك فقال لا أبالي لا حاجة لي في البقاء بعد قومي فأصابه الذي أصاب عادا فهلك ومن معه من الوفد الذين خرجوا يستسقون لعاد فأتت
الريح لما خرجوا من الحرم فأهلكتهم جميعا فلما أهلك اللّه عادا ارتحل هود ومن معه من المؤمنين من أرضهم بعد هلاك قومه إلى موضع يقال له الشجر من أرض اليمن فنزل هناك ثم أدركه الموت فدفن بأرض حضر موت. يروى عن علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه أن قبر هود عليه الصلاة والسلام بحضر موت في كثيب أحمر وقال عبد الرحمن بن شبابة : بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا وأن قبر هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام في تلك البقعة ويروى أن كل نبي من الأنبياء كان إذا هلك قومه جاء هو والصالحون من قومه معه إلى مكة يعبدون اللّه تعالى حتى يموتوا بها.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٣]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)
قوله عز وجل : وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً يعني أرسلنا إلى ثمود وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس بن عابر وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله ومعنى الكلام وإلى بني ثمود أخاهم صالحا لأن ثمود قبيلة. قال أبو عمرو بن العلاء : سميت ثمود لقلة مائها والثمد الماء القليل وقيل سموا ثمود باسم أبيهم الذي ينسبون إليه أخاهم صالحا يعني في النسب لا في الدين وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني قال لهم صالح حين أرسله اللّه تعالى إليهم يا قوم وحدوا اللّه تعالى ولا تشركوا به شيئا فما لكم من إله يستحق أن يعبد سواه قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ يعني جاءتكم حجة من ربكم وبرهان على صدق ما أقول وأدعو إليه من عبادة اللّه تعالى ولا تشركوا به شيئا وعلى تصديق بأني رسول اللّه إليكم ثم فسر تلك البينة فقال هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً يعني علامة على صدقي قال العلماء رحمهم اللّه تعالى : ووجه كون هذه الناقة آية على صدق صالح ومعجزة له خارقة للعادة أنها خرجت من صخرة في الجبل وكونها لا من ذكر ولا من أنثى وكمال خلقها من غير حمل ولا تدريج لأنها خلقت في ساعة وخرجت من الصخرة وقيل لأنه كان لها شرب يوم ولجميع قبيلة ثمود شرب يوم وهذا من المعجزة أيضا لأن ناقة تشرب ما تشربه قبيلة معجزة وكانوا يحلبونها في يوم شربها قدر ما يكفيهم جميعهم ويقوم لهم مقام الماء وهذ أيضا معجزة وقيل إن سائر الوحوش والحيوانات كانت تمتنع من شرب الماء في يوم شرب الناقة وتشرب الحيوانات الماء في غير يوم الناقة وهذا أيضا معجزة وإنما أضافها إلى اللّه تعالى في قوله هذه ناقة اللّه على سبيل التفضيل والتشريف كما يقال بيت اللّه وقيل لأن اللّه تعالى خلقها بغير واسطة ذكر و
أنثى وقيل لأنه لم يملكها أحد إلا اللّه تعالى وقيل لأنها كانت حجة اللّه على قوم صالح فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ يعني فذروا الناقة تأكل العشب من أرض اللّه فإن الأرض للّه والناقة أيضا للّه وليس لكم في أرض اللّه شيء لأنه هو الذي أنبت العشب فيها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من أنواع الأذى ولا تعقروها فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني بسبب عقرها وأذاها.


الصفحة التالية
Icon