لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٣٧
فإن قلت كان يجب أن يأتوا بالإيمان قبل السجود فما فائدة تقديم السجود على الإيمان.
قلت : لما قذف اللّه عز وجل في قلوبهم الإيمان والمعرفة خروا سجدا للّه تعالى شكرا على هدايتهم إليه وعلى ما ألهمهم اللّه من الإيمان باللّه وتصديق رسوله ثم أظهروا بعد ذلك إيمانهم. وقيل : لما رأوا عظيم قدرة اللّه تعالى وسلطانه في أمر العصا وأنه ليس يقدر على ذلك أحد من البشر وزالت كل شبهة كانت في قلوبهم بادروا إلى السجود للّه تعظيما لشأنه لما رأوا من عظيم قدرته ثم إنهم أظهروا الإيمان باللسان. قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما : لما رأت السحرة ما رأت عرفت أن ذلك من أمر السماء وليس بسحر فخّروا سجّدوا وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون.
قوله عز وجل : قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يعني فرعون للسحرة آمنتم بموسى وصدقتموه قبل أن آمركم به وآذن لكم فيه إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ يعني إن هذا الصنع الذي صنعتموه أنتم وموسى في مدينة مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع وذلك أن فرعون رأى موسى يحدث كبير السحرة فظن فرعون أن موسى وكبير السحرة قد تواطآ عليه وعلى أهل مصر وهو قوله لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها وتستولوا عليها أنتم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ فيه وعيد وتهديد يعني : فسوف تعلمون ما أفعل بكم ثم فسر ذلك الوعيد فقال لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وهو أن تقطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين فيخالف بينهما في القطع ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ يعني على شاطئ نيل مصر. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل فرعون قالُوا يعني مجيبين لفرعون حين وعدهم بالقتل إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إنا إلى ربنا راجعون وإليه صائرون في الآخرة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٨]
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)
وَما تَنْقِمُ مِنَّا وما تكره منا وما تطعن علينا وقال عطاء : معناه وما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ثم فزعوا إلى اللّه تعالى وسألوه الصبر على تعذيب فرعون إياهم فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي اصبب علينا صبرا كاملا تاما ولهذا أتى بلفظ التنكير يعني صبرا وأي صبر عظيم وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ يعني واقبضنا على دين الإسلام وهو دين خليلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : كانوا في أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء. قال الكلبي : إن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم غير أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى : فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ.
قوله تعالى : وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى يعني وقال جماعة من أشراف قوم فرعون لفرعون أتدع موسى وَقَوْمَهُ من بني إسرائيل لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني أرض مصر وأراد بالإفساد فيها أنهم يأمرونهم بمخالفة فرعون وهو قوله وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يعني وتذره ليذرك ويذر آلهتك فلا يعبدك ولا يعبدها. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : كانت لفرعون بقرة كان يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمرهم بعبادتها ولذلك أخرج لهم السامري عجلا. وقال السدي : كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وكان يأمرهم بعبادتها وقال لهم أنا ربكم ورب هذه الأصنام وذلك قوله أنا ربكم الأعلى والأولى أن يقال إن فرعون كان دهريا منكر الوجود الصانع فكان