لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٤٢
فإن اعترض معترض وقال إن اللّه تعالى علم من حال آل فرعون أنهم لا يؤمنون بتلك المعجزات فما الفائدة في تواليها عليهم وإظهار الكثير منها.
فالجواب على مذهب أهل السنة إن اللّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وأما على قول المعتزلة في رعاية المصلحة فلعله تعالى علم من قوم فرعون أن بعضهم كان يؤمن بتوالي تلك المعجزات وظهورها فلهذا السبب والاها عليهم واللّه أعلم بمراده.
قوله عز وجل : فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ يعني كافأناهم عقوبة لهم سوء صنيعهم. وأصل الانتقام في اللغة سلب النعمة بالعذاب فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ والمعنى أنه تعالى لما كشف عنهم العذاب مرات فلم يؤمنوا ولم يرجعوا عن كفرهم فلما بلغوا الأجل الذي أجل لهم انتقم منهم بأن أهلكهم بالغرق فذلك قوله فأغرقناهم في اليم يعني البحر واليم الذي لا يدرك قعره وقيل هو لجة جر البحر ومعظم مائه. قال الزهري : اليم معروف لفظة سريانية عربتها العرب ويقع اسم على البحر الملح والبحر العذب ويدل على ذلك قوله تعالى : فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ والمراد به نيل مصر وهو عذب بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني أهلكناهم وأغرقناهم بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وصدق نبينا وَكانُوا عَنْها يعني عن آياتنا غافِلِينَ يعني معرضين وقيل كانوا على حلول النقمة بهم غافلين.
ولما كان الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها كالغفلة عنها سموا غافلين تجوزا لأن الغفلة ليست من فعل الإنسان.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٧ الى ١٤٠]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠)
قوله عز وجل : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يعني ومكنّا القوم الذين كانوا يقهرون ويغلبون على أنفسهم وهو أن فرعون وقومه كانوا قد تسلطوا على بني إسرائيل فقتلوا أبناءهم واستخدموهم فصيروهم مستضعفين تحت أيديهم مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا يعني أرض الشام ومصر وأراد بمشارقها ومغاربها جميع جهاتها ونواحيها. وقيل : أراد بمشارق الأرض ومغاربها الأرض المقدسة وهو بيت المقدس وما يليه من الشرق والغرب. وقيل : أراد جميع جهات الأرض وهو اختيار الزجاج قال : لأن داود وسليمان صلوات اللّه وسلامه عليهما كانا من بني إسرائيل وقد ملكا الأرض.
وقوله عز وجل : الَّتِي بارَكْنا فِيها يدل على أنها الأرض المقدسة يعني باركنا فيها بالثمار والأشجار والزروع والخصب والسعة وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ يعني وتمت كلمة اللّه وهي وعدهم بالنصر على عدوهم والتمكين في الأرض من بعدهم وقيل كلمة اللّه هي قوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ الآية والحسنى صفة للكلمة وهي تأنيث الأحسن وتمامها إنجاز ما وعدهم به من تمكينهم في الأرض وإهلاك عدوهم بِما صَبَرُوا يعني إنما حصل لهم ذلك التمام وهو ما أنعم اللّه تعالى به عليهم من إنجاز وعده لهم بسبب صبرهم على دينه وأذى فرعون لهم وَدَمَّرْنا يعني وأهلكنا والدمار الهلاك باستئصال ما كانَ