لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٧
الكلبي : هم السبعون الذي اختارهم موسى من قومه وانطلق بهم إلى الجبل وأيضا كان أنبياء بني إسرائيل من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وهؤلاء لا شك أنهم من أكابر الأنبياء وأولاد يعقوب وهم الأسباط أنبياء على قول الأكثرين وموسى وهارون عليهما السلام وأيضا فإن اللّه تعالى أعلم موسى أنه يبعث من بعده في بني إسرائيل أنبياء فإنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء فكان هذا شرفا عظيما لهم ونعمة ظاهرة عليهم وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً يعني : وجعلكم أحرارا تملكون أنفسكم بعد أن كنتم عبيدا في أيدي القبط. قال ابن عباس : يعني جعلكم أصحاب خدم وحشم. قال قتادة : كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم وروي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا ذكره البغوي بغير سند وسأل رجل عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقال ألسنا من فقراء المهاجرين فقال له عبد اللّه ألك امرأة تأوي إليها؟ قال نعم، قال : لك مسكن تسكنه؟ قال نعم، قال : أنت من الأغنياء، قال فإن لي خادما قال فأنت من الملوك. وقال الضحاك : كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية ومن كان مسكنه واسعا وفيه ماء جار فهو ملك وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ يعني من عالمي زمانكم يذكرهم ما أنعم اللّه به عليهم من فلق البحر لهم وإهلاك عدوهم وإنزال المن والسلوى عليهم وإخراج الماء من الحجر لهم وتظليل الغمام فوقهم إلى غير ذلك من النعم التي أنعم اللّه بها عليهم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢)
قوله تعالى : يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ لما ذكر موسى قومه ما أنعم اللّه عليهم أمرهم بالخروج إلى جهاد عدوهم فقال : يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة المباركة. قال الكلبي : صعد إبراهيم عليه السلام جبل لبنان فقيل له انظر فما أدرك بصرك فهو مقدس وهو ميراث لذريتك والأرض هي الطور وما حوله. وقيل : هي أريحاء وفلسطين وبعض الأردن. وقيل : هي دمشق. وقيل : هي الشام، كلها. قال كعب الأحبار : ووجدت في كتاب اللّه المنزل أن الشام كنز اللّه في أرضه وبها أكثر عباده التي كتب اللّه لكم يعني كتب اللّه في اللوح المحفوظ إنها لكم مساكن وقيل : فرض اللّه عليكم دخولها وأمركم بسكناها. وقيل : وهبها لكم.
فإن قلت : كيف؟ قال اللّه تعالى : ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب اللّه لكم. وقال فإنها محرمة عليهم وكيف الجمع بينهما؟ قلت فيه وجوه أحدها أنها كانت هبة من اللّه ثم حرمها عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم.
الوجه الثاني : أن اللفظ وإن كان عاما لكن المراد منه الخصوص فصار كأنه مكتوب لبعضهم وحرام على بعضهم فإن يوشع بن نون وكالب بن يوفنا دخلاها وكانا ممن خوطب بهذا الخطاب.
الوجه الثالث : إن هذا الوعد كان مشروطا بالطاعة فلما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط.
الوجه الرابع : أنه قال : إنها محرمة عليهم أربعين سنة فلما مضت الأربعون دخلوها وكانت مساكن لهم كما وعدهم اللّه تعالى : وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ يعني ولا ترجعوا القهقرى مرتدّين على أعقابكم إلى ورائكم ولكن امضوا لأمر اللّه الذي أمركم به وإن فعلتم خلاف ما أمركم اللّه به فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ يعني فترجعوا خائبين لأنكم رددتم أمر اللّه قوله عز وجل : قالُوا يعني قوم موسى يا مُوسى إِنَّ فِيها يعني في الأرض المقدسة قَوْماً جَبَّارِينَ يعني قوما عاتين لا طاقة لنا بهم ولا قوة لنا بقتالهم وسموا أولئك القوم جبارين لشدة بطشهم وعظم خلقهم وكانوا ذوي أجسام عظيمة وأشكال هائلة وهم العمالقة بقية قوم عاد وأصل الجبار في صفة الإنسان فعال من جبره على الأمر يعني أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد وقيل إنه مأخوذ من قولهم