لباب التأويل، ج ٢، ص : ٢٩٥
رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني شيء أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فو اللّه إني لأمر نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان أبو جهل رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال العباس : فقلت في نفسي ماله لعنه اللّه أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه قال فإذا هو قد سمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة هذه أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه ولا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر قال : فتجهز الناس سراعا ولم يتخلف من أشراف قريش أحد إلا أن أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما اجتمعت قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر
بن عبد مناة ابن كنانة من الحرب فقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف بني بكر فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجت قريش سراعا وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أصحابه لليال مضت من شهر رمضان حتى بلغ واديا يقال له ذا قرد فأتاه الخبر عن مسير قريش ليمنعوا عن عيرهم فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كان بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بخبرهم وبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عينا له من جهينة حليفا للأنصار يدعى أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام وقال : إن اللّه وعدكم إحدى الطائفتين إنها لكم إما العير، وإما قريش، وكانت العير أحب إليهم فاستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال وأحسن وقام عمر فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول اللّه امض لما أمرك اللّه فنحن معك واللّه ما نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد- يعني مدينة الحبشة- لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم له خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أشيروا عليّ أيها الناس وإنما يريد الأنصار وذلك لأنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول اللّه إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا فنمنعك مما منع منه أبناءنا ونساءنا.
فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسيروا معه إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له سعد بن معاذ : واللّه لكأنك تريدنا يا رسول اللّه. قال : أجل. قال : آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول اللّه لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما يتخلف منا أحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وعدوك إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل اللّه عز وجل أن يريك منا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة اللّه تعالى، فسرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك فقال : سيروا على بركة اللّه وأبشروا فإن اللّه عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين واللّه لكأني أنظر إلى مصارع القوم (م).
عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب حدثه عن أهل بدر قال :«إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللّه تعالى وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللّه تعالى وهذا مصرع فلان غدا إن شاء اللّه تعالى قال عمر فو الذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعدكم اللّه ورسوله حقا فإني قد وجدت ما وعدني اللّه حقا فقال عمر يا رسول اللّه كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا» فذلك قوله سبحانه وتعالى وإذ يعدكم اللّه إحدى الطائفتين أنها لكم يعني طائفة أبي سفيان مع العير وطائفة أبي جهل مع النفير وَتَوَدُّونَ أي