لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠
فأت به جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا بشجرة لم ير مثلها وإذا ببيت مبني وفيه سرير عليه فراش وفيه رائحة طيبة فلما رأى هارون ذلك البيت أعجبه، وقال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير. قال : نم. قال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليّ. قال : لا تخف إني أكفيك ربّ هذا البيت فنم. قال : يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب هذا البيت غضب عليّ وعليك جميعا. فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد مسه قال : يا موسى خدعتني فلما قبض هارون رفع البيت والسرير إلى السماء وهارون عليه وذهبت الشجرة فرجع موسى إلى بني إسرائيل وليس هارون معه فقال بنو إسرائيل حسد موسى هارون فقتله لحبنا إياه. قال موسى : ويحكم إن هارون كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه قام موسى فصلى ركعتين ثم دعا اللّه عز وجل فنزل السرير وعليه هارون فنظروا إليه وهو بين السماء والأرض فصدقوه ثم رفع.
وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : صعد موسى عليه السلام وهارون إلى الجبل فمات هارون وبقي موسى فقال بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته وآذوه فأمر اللّه الملائكة فحملوه حتى مروا به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته فصدقت بنو إسرائيل أنه مات وبرأ اللّه موسى مما قالوه ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه ولم يطلع على موضع قبره أحد إلا الرخم فجعله اللّه أصم أبكم.
وأما وفاة موسى عليه السلام فقال ابن إسحاق كان صفي اللّه موسى عليه السلام قد كره الموت وأعظمه فأراد اللّه أن يحبب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان موسى يغدو ويروح إليه ويقول له يا نبي اللّه ما أحدث اللّه إليك فيقول له يوشع يا نبي اللّه ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث اللّه إليك حتى كنت أنت تبتدئ به وتذكره لي ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وأحب الموت (ق). عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد اللّه إليه عينه وقال : ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت يده من شعره سنة. قال : أي رب ثم مه قال : ثم الموت قال : فالآن فسأل اللّه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر» وفي رواية لمسلم قال : جاء ملك الموت إلى موسى فقال : أجب ربك قال فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها» ثم ذكر معنى ما تقدم قال الشيخ محيي الدين النووي. قال المازري : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكر تصوره قالوا كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت.
وأجاب عنه العلماء بأجوبة أحدها أنه لا يمتنع أن يكون اللّه قد أذن لموسى في هذه اللطمة ويكون ذلك امتحانا للمطلوم واللّه تعالى يفعل في خلقه ما يشاء ويمتحنهم بما أراد.
الثاني : أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند اللّه وظن أنه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها فأدت المدافعة إلى فقء عينه لأنه قصدها بالفقء وتؤيده رواية صكه وهذا جواب الإمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين واختاره المازري والقاضي عياض. قالوا : وليس في الحديث تصريح بأنه قصد فقء عينه.
فإن قيل : فقد اعترف موسى حين جاء ثانيا بأنه ملك الموت. فالجواب، أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت فاستسلم له بخلاف المرة الأولى وأما سؤال موسى الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضلها وفضل من بها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم وفيه دليل على استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين قال بعض العلماء وإنما سأل موسى الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس واللّه أعلم.
قال وهب بن منبه : خرج موسى لبعض حاجته فمر برهط من الملائكة وهم يحفرون قبرا لم ير شيئا أحسن


الصفحة التالية
Icon