لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠٢
ولا أهابه عند ذلك فقال أعمد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد أخرجه أبو داود وأخرجه البخاري مختصرا. قال : إنه أتى أبا جهل يوم بدر وبه رمق فقال : هل أعمد من رجل قتلتموه. وقال عكرمة : قال المشركون واللّه ما نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فأنزل اللّه عز وجل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. وقال السدي والكلبي :
كان المشركون لما خرجوا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح. يعني : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وهو على ما سألوه فكان النصر لأهدى الفئتين وهم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني عبد اللّه بن أبي بكر قال : قال معاذ بن عمرو بن الجموح : لما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوة بدر أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى فقال : اللهم لا يعجزك، فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه قال : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها قدمي ثم تمطيت بها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل وهو عفير معاذ بن عفراء فضربه حتى أتبته وتركه وبه رمق فمر به عبد اللّه بن مسعود قال عبد اللّه وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه فقلت هل أخزاك اللّه يا عدو اللّه قال وبما ذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قلت للّه ولرسوله. روي عن ابن مسعود أنه قال :
قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلت يا رسول اللّه هذا رأس عدو اللّه أبي جهل فقال : آللّه الذي لا إله غيره فقلت نعم والذي لا إله غيره ثم ألقيته بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحمد اللّه. وقال أبي بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال اللّه عز وجل للمسلمين إن تستفتحوا أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح أي النصر (خ) عن خباب بن الأرت قال :«شكونا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه واللّه ليتمن اللّه هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللّه أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» قلت : استدل البغوي بهذا الحديث على ما فسر به أبي بن كعب الآية وفيه نظر، لأن هذه الواقعة المذكورة في الحديث كانت بمكة والآية مدنية، فلا تعلق للحديث بتفسير الآية واللّه أعلم ولكن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما دعا اللّه ببدر وسأله إنجاز ما وعده من إحدى الطائفتين وألح في الدعاء والمسألة حتى سقط رداؤه وقال اللّه سبحانه وتعالى مجيبا له إن تستفتحوا يعني تطلبوا النصر وإنجاز ما وعدكم اللّه به فقد جاءكم الفتح يعني فقد حصل لكم ما طلبتم فاشكروا اللّه على ما أنعم به عليكم من إجابة دعائكم وإنجاز ما وعدكم به وهذا القول أولى لأن قوله فقد جاءكم الفتح لا يليق إلا بالمؤمنين.
هذا إذا فسرنا الفتح بالنصر والظفر على الأعداء.
أما إذا فسرناه بالقضاء والحكم لم يمتنع أن يراد به الكفار.
أما قوله سبحانه وتعالى : وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فهو خطاب للكفار يعني وإن تنتهوا عن قتال محمد صلى اللّه عليه وسلم وعن تكذيبه فهو خير لكم في الدين والدنيا أما في الدين بأن تؤمنوا به وتكفوا عنه فيجعل لكم بذلك الفوز بالثواب والخلاص من العقاب.
وأما في الدنيا فهو الخلاص من القتل والأسر وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ يعني وإن تعودوا لقتال محمد صلى اللّه عليه وسلم نعد بتسليطه عليكم ونصره عليكم وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ يعني جماعتكم شَيْئاً يعني لا تغني عنكم شيئا وَلَوْ