لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٠٦
مالي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يجزيك الثلث أن تصدق به فنزل فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
وقال السدي : كانوا يسمعون السر من النبي صلى اللّه عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت هذه الآية وقال جابر بن عبد اللّه : إن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لي إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه إن أبا سفيان في مضوع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل اللّه عز وجل لا تخونوا اللّه والرسول وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ومعنى الآية لا تخونوا اللّه والرسول ولا تخونوا أماناتكم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنها أمانة وقيل : معناه وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة وأصل الخيانة من الخون وهو النقص لأن من خان شيئا فقد نقصه والخيانة ضد الأمانة، وقيل في معنى الآية : لا تخونوا اللّه والرسول فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم. وقال ابن عباس : معناه لا تخونوا اللّه بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض اللّه تعالى والأعمال التي ائتمن عليها العباد وقال قتادة : اعلموا أن دين اللّه أمانة فأدوا إلى اللّه ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ومنه الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)
وقوله عز وجل وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
. قيل : هذا مما نزل في أبي لبابة وذلك لأن أمواله وأولاده كانت في بني قريظة فلذلك قال ما قال خوفا عليهم. وقيل : إنه عام في جميع الناس وذلك أنه لما كان الإقدام على الخيانة في الأمانة هو حب المال والولد نبّه اللّه سبحانه وتعالى بقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فتنة على أنه يجب على العاقل أن يحذر من المضار المتولدة من حب المال والولد، لأن ذلك يشغل القلب ويصيره محجوبا عن خدمة المولى وهذا من أعظم الفتن وروى البغوي بسنده عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم «أتى بصبي فقبله وقال أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان اللّه» أخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز قال زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قال :«خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان اللّه» قال الترمذي : لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا عن خولة. قوله، لمن ريحان اللّه : أي لمن رزق اللّه والريحان في اللغة الرزق.
وقوله تعالى : وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
يعني لمن أدى الأمانة ولم يخن وفيه تنبيه على أن سعادة الآخرة وهو ثواب اللّه أفضل من سعادة الدنيا وهو المال والولد.
وقوله عز وجل : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يعني بطاعته وترك معاصيه يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً يعني يجعل لكم نورا وتوفيقا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل والفرقان أصله الفرق بين الشيئين لكنه أبلغ من أصله لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل والحجة والشبهة. قال مجاهد : يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وقال مقاتل : مخرجا في الدين من الشبهات وقال عكرمة : نجاة أي يفرق بينكم وبين ما تخافون وقال محمد بن إسحاق : فصلا بين الحق والباطل يظهر اللّه به حقكم ويطفئ باطل من خالفكم وقيل يفرق بينكم وبين


الصفحة التالية
Icon