لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٢٤
صهيل الخيل يرهب الجن. وقوله سبحانه وتعالى : وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل أراد به نفقة الجهاد والغزو وقيل هو أمر عام في كل وجوه الخير والطاعة فيدخل فيه نفقة الجهاد وغيره يُوَفَّ إِلَيْكُمْ يعني أجره في الآخرة ويعجل لكم عوضه في الدنيا وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ يعني وأنتم لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا قوله تبارك وتعالى :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها لما أمر اللّه سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بإعداد القوة وما يرهب العدو أمرهم بعد ذلك أن يقبلوا منهم الصلح إن مالوا إليه وسألوه فقال تعالى : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ يعني مالوا إلى السلم يعني المصالحة فاقبلوا منهم الصلح وهو قوله تعالى فاجنح لها أي مل إليها يعني إلى المصالحة. روي عن الحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف. وقيل : إنها غير منسوخة لكنها تتضمن الأمر بالصلح إذا كان فيه مصلحة ظاهرة فإن رأى الإمام أن يصالح أعداءه من الكفار وفيه قوة فلا يجوز أن يهادنهم سنة كاملة وإن كانت القوة للمشركين جاز أن يهادنهم عشر سنين ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإنه صالح أهل مكة مدة عشر سنين ثم إنهم نقضوا العهد قبل انقضاء المدة.
وقوله تعالى : وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ يعني فوض أمرك إلى اللّه فيما عقدته معهم ليكون عونا لك في جميع أحوالك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يعني لأقوالهم الْعَلِيمُ يعني بأحوالهم : قوله عز وجل : وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ يعني يغدروا بك قال مجاهد : يعني بني قريظة والمعنى وإن أرادوا بإظهار الصلح خديعتك لتكف عنهم فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ يعني فإن اللّه كافيك بنصره ومعونته هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ يعني هو الذي قواك وأعانك بنصره يوم بدر وفي سائر أيامك وَبِالْمُؤْمِنِينَ يعني وأيدك بالمؤمنين يعني الأنصار.
فإن قلت : إذا كان اللّه قد أيده بنصره فأي حاجة إلى نصر المؤمنين حتى يقول وبالمؤمنين.
قلت : التأييد والنصر من اللّه عز وجل وحده لكنه يكون بأسباب باطنة غير معلومة وبأسباب ظاهرة معلومة فأما الذي يكون بالأسباب الباطنة فهو المراد بقوله «هو الذي أيدك بنصره» لأن أسبابه باطنة بغير وسائط معلومة وأما الذي يكون بالأسباب الظاهرة فهو المراد بقوله «و بالمؤمنين» لأن أسبابه ظاهرة بوسائط وهم المؤمنون واللّه سبحانه وتعالى هو مسبب الأسباب وهو الذي أقامهم لنصره ثم بيّن كيف أيده بالمؤمنين فقال تعالى : وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ وذلك أن العرب كانت فيهم الحمية الشديدة والأنفة العظيمة والأنفس القوية والعصبية والانطواء على الضغينة من أدنى شيء حتى لو أن رجلا من قبيلة لطم لطمة واحدة قاتل عنه أهل قبيلته حتى يدركوا ثأرهم لا يكاد يأتلف منهم قلبان فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم وآمنوا به واتبعوه انقلبت تلك الحالة فائتلفت قلوبهم واستجمعت كلمتهم وزالت حمية الجاهلية من قلوبهم وأبدلت تلك الضغائن والتحاسد بالمودة والمحبة للّه وفي اللّه واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصارا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأعوانا يقاتلون عنه ويحمونه وهم الأوس والخزرج وكانت بينهم في الجاهلية حروب عظيمة ومعاداة


الصفحة التالية
Icon