لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٢٦
سبحانه وتعالى الآن خفف اللّه عنكم ناسخ لما تقدم من الآية الأولى وكان هذا الأمر يوم بدر فرض اللّه سبحانه وتعالى على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين فثقل ذلك على المؤمنين فنزلت الآن خفف اللّه عنكم أيها المؤمنون وعلم أن فيكم ضعفا يعني في قتال الواحد للعشرة فإن تكن منكم مائة صابرة محتسبة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن اللّه فرد من العشرة إلى الاثنين فإذا كان المسلمون على قدر النصف من عدوهم لا يجوز لهم أن يفروا فأيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فرّ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يعني بالنصر والمعونة.
قال سفيان : قال ابن شبرمة : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ذلك.
قوله تعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى روي عن عبد اللّه ابن مسعود قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما تقولن في هؤلاء فقال أبو بكر يا رسول اللّه قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل اللّه أن يتوب عليهم وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار. وقال عمر : يا رسول اللّه كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم مكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، ومكني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وقال عبد اللّه بن رواحة : يا رسول اللّه انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا فقال له العباس : قطعت رحمك فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : إن اللّه ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثلك يا عبد اللّه بن رواحة كمثل موسى قال : ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اليوم أنتم عالة فلا يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد اللّه بن مسعود : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إلا سهيل بن بيضاء.
قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب : فهوى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد جئت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت : يا رسول اللّه أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عز وجل عليه : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الآية خرج هذا الحديث الترمذي مختصرا وقال : في الحديث قصة وهي هذه القصة التي ذكرها البغوي. وأخرج مسلم في إفراده من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس : لما أسروا الأسارى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر : يا رسول اللّه هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار فعسى اللّه أن يهديهم إلى الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب قال قلت : لا واللّه يا رسول اللّه ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه وتمكنني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر يبكيان فقلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت