لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٣٩
قوله عز وجل : فَإِنْ تابُوا يعني فإن رجعوا عن الشرك إلى الإيمان وعن نقض العهد إلى الوفاء به وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني المفروضة عليهم بجميع حدودها وأركانها وَآتَوُا الزَّكاةَ يعني وبذلوا الزكاة المفروضة عليهم طيبة بها أنفسهم فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ يعني إذا فعلوا ذلك فهم إخوانكم في الدين لهم مالكم وعليهم ما عليكم وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني ونبين حجج أدلتنا ونوضح بيان آياتنا لمن يعلم ذلك ويفهمه. قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة وقال ابن مسعود : أمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزكّ فلا صلاة له.
وقال ابن زيد : افترضت الصلاة والزكاة جميعا لم يفرق بينهما وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة. وقال : يرحم اللّه أبا بكر ما كان أفقهه يعني بذلك ما ذكره أبو بكر في حق منع الزكاة وهو قوله : واللّه لا أفرق بين شيئين جمع اللّه بينهما يعني الصلاة والزكاة (ق) يعني أبي هريرة قال لما توفي النبي صلى اللّه عليه وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه فمن قال لا إله إلا اللّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللّه عز وجل» فقال أبو بكر : واللّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال واللّه لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها. وفي رواية، عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، فقال عمر : فو اللّه ما هو إلا أن رأيت أن اللّه شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. عن أنس قال.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة اللّه وذمة رسوله.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)
وقوله سبحانه وتعالى : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعني وإن نقضوا عهودهم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ يعني من بعد ما عاهدوكم عليه أن لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدا من أعدائكم وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ يعني وعابوا دينكم الذي أنتم عليه وقدحوا فيه وثلبوه.
وفي هذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام وعابه ظاهرا لا يبقى له عهد والمراد بهؤلاء الذين نقضوا العهد كفار قريش وهو قوله تعالى : فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ يعني رؤوس المشركين وقادتهم.
قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وأبي جهل وابنه عكرمة وسائر رؤساء قريش وهم الذين نقضوا عهدهم وهموا بإخراج الرسول وقيل أراد جميع الكفار وإنما ذكر الأئمة لأنهم الرؤساء والقادة ففي قتالهم قتال الأتباع، وقال مجاهد : هم فارس والروم وقال حذيفة بن اليمان : ما قوتل أهل هذه الآية بعد ولم يأت أهلها ولعل حذيفة أراد بذلك الذين يظهرون مع الدجال من اليهود فإنهم أئمة الكفر في ذلك الزمان واللّه أعلم بمراده.
وقوله سبحانه وتعالى : إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ جمع يمين أي لا عهد لهم وقيل معناه إنهم لا وفاء لهم بالعهود وقرئ لا إيمان لهم بكسر الهمزة ومعناه لا دين لهم ولا تصديق وقيل هو من الأمان أي اقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تؤمنوهم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أي لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم ويرجعوا عن الكفر إلى الإيمان ثم حض المؤمنين على جهاد الكفار وبين السبب في ذلك فقال تعالى : أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ يعني نقضوا عهودهم وهم الذين نقضوا عهد الصلح بالحديبية وأعانوا بني بكر على خزاعة وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ