لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٤٧
يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قولهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : حديث بلغني عنكم فقال له فقهاء الأنصار : أما ذوو رأينا يا رسول اللّه لم يقولوا شيئا وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر اللّه لرسول اللّه يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون أن تذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فو اللّه ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به. قالوا : بلى يا رسول اللّه قد رضينا. قال : فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا اللّه ورسوله على الحوض قالوا سنصبر زاد في رواية قال أنس فلم نصبر (ق) عن عبد اللّه بن زيد بن عاصم قال لما أفاء اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال : يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم اللّه بي وكنتم متفرقين فألفكم اللّه بي وعالة فأغناكم اللّه بي كلما قال شيئا قالوا اللّه ورسوله أمن قال : فما منعكم أن تجيبوا رسول اللّه كلما قال شيئا قالوا اللّه ورسوله آمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أترضون أن تذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبوا بالنبي إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم الأنصار شعار والناس دثار (م) عن رافع بن خديج قال : أعطى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان مائة من الإبل وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس :
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ومن يخفض اليوم لا يرفع
قال : فأتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم له مائة (خ) عن المسور ومروان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد عليهم مالهم وسبيهم فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إن معي من ترون وأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بكم.
وفي رواية : وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم غير راد عليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا إنا نختار سبينا فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك لهم فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك لهم يا رسول اللّه. فقال لهم في ذلك : إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمتهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا من سبي هوازن وأنزل اللّه عز وجل في قصة حنين لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ يعني حين قلتم لن نغلب اليوم من قلة فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ يعني كثرتكم شَيْئاً يعني أن الظفر بالعدو ليس بكثرة العدد ولكن إنما يكون بنصر اللّه ومعونته وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ يعني بسعتها وفضائها ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ يعني منهزمين.