لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٥٠
دين الحق. وقيل : الحق هو اللّه تعالى ومعناه : ولا يدينون دين اللّه ودينه الإسلام وهو قوله تعالى إن الدين عند اللّه الإسلام وقيل معناه ولا يدينون دين أهل الحق وهم المسلمون ولا يطيعون اللّه كطاعتهم مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وهي ما يعطى المعاهد من أهل الكتاب على عهده وهي الخراج المضروب على رقابهم سميت جزية للاجتزاء بها في حقن دمائهم عَنْ يَدٍ يعني عن قهر وغلبة يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس أعطى عن يد وقال ابن عباس : يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم وقيل : يعطونها نقدا لا نسيئة. وقيل : يعطونها مع إقرارهم بإنعام المسلمين عليهم بقبولها منهم وَهُمْ صاغِرُونَ من الصغار وهو الذل والإهانة يعني يعطون الجزية وهم أذلاء مقهورون وقال عكرمة : يعطون الجزية وهم قائمون والقابض جالس. وقال ابن عباس : تؤخذ الجزية من أحدهم وتوطأ عنقه وقال الكلبي : إذا أعطى يصفع قفاه وقال هو أن يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه ويقال له أدّ حق اللّه يا عدو اللّه وقال الإمام الشافعي رضي اللّه تعالى عنه : الصغار هو جريان أحكام المسلمين عليهم.
( (فصل في بيان أحكام الآية)) اجتمعت الأمة على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى إذا لم يكونوا عربا واختلفوا في أهل الكتاب العرب وفي غير أهل الكتاب من كفار العجم، فذهب الشافعي إلى أن الجزية على الأديان لا على الأنساب فتؤخذ من أهل الكتاب عربا كانوا أو عجما ولا تؤخذ من عبدة الأوثان بحال واحتج بما روي عن أنس :
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيد ردومة فأخذوه فأتوا به فحقن دمه وصالحه على الجزية أخرجه أبو داود وقال الشافعي : وهو رجل من العرب يقال إنه من غسان وأخذ من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب وذهب مالك والأوزاعي إلى أن الجزية تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد. وقال أبو حنيفة : تؤخذ من أهل الكتاب على العموم وتؤخذ من مشركي العجم ولا تؤخذ من مشركي العرب وقال أبو يوسف : لا تؤخذ من العربي كتابيا كان أو مشركا وتؤخذ من العجمي كتابيا كان أو مشركا وأما المجوس فاتفقت الصحابة على جواز الأخذ منهم ويدل عليه ما روي عن بجالة بن عبيدة ويقال عبدة : لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. أخرجه البخاري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عمر أخذها من مجوس فارس وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر أخرجه مالك في الموطأ وفي امتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخذها منهم دليل على أن رأي الصحابة كان على أنها لا تؤخذ من كل مشرك وإنما تؤخذ من أهل الكتاب واختلفوا في أن المجوس هل هم من أهل الكتاب.
فروي عن علي بن أبي طالب أنه قال كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم واتفقوا على تحريم ذبائحهم ومناكحتهم بخلاف أهل الكتاب وأما من دخل في دين اليهود والنصارى من غيرهم من المشركين فينظر فإن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل فإنهم يقرون بالجزية وتحل مناكحتهم وذبائحهم وإن كانوا دخلوا فيه بعد النسخ بمجيء محمد صلى اللّه عليه وسلم ونسخ شريعتهم بشريعته فإنهم لا يقرون بالجزية ولا تحل ذبائحهم ومناكحتهم ومن شككنا في أمرهم هل دخلوا فيه بعد النسخ أو قبله يقرون بالجزية تغليبا لحقن الدم ولا تحل ذبائحهم ومناكحتهم تغليبا للتحريم ومنهم نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب أقرهم عمر على الجزية. وقال : لا تحل لنا ذبائحهم وأما الصابئة والسامرة فسبيلهم سبيل أهل الكتاب فهم في أهل الكتاب كأهل البدع في المسلمين وأما قدر الجزية فأقلها دينار ولا يجوز أن ينقص عنه ويقبل