لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٥٢
قال فأتى ملك بإناء فيه ماء فشرب منه فمثلت له التوراة في صدره فلما أتاهم قال أنا عزير فكذبوه وقالوا إن كنت كما تزعم فأمل علينا التوراة فكتبها لهم من صدره ثم إن رجلا منهم قال إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم فانطلقوا معه حتى أخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر حرفا فقالوا إن اللّه لم يقذف التوراة في قلب عزير إلا أنه ابنه فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن اللّه فعلى هذين القولين أن هذا القول كان فاشيا في اليهود جميعا ثم إنه انقطع واندرس فأخبر اللّه تعالى به عنهم وأظهره عليهم ولا عبرة بإنكار اليهود ذلك فإن خبر اللّه عز وجل أصدق وأثبت من إنكارهم وأما قول النصارى المسيح ابن اللّه فكان السبب فيه أنهم كانوا على الدين الحق بعد رفع عيسى عليه السلام إحدى وثمانين سنة يصلون إلى القبلة ويصومون رمضان حتى وقع بينهم وبين اليهود حرب وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولص قتل جماعة من أصحاب عيسى عليه السلام ثم قال بولص لليهود إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا والنار مصيرنا فنحن مغبونون إن دخلنا النار ودخلوا الجنة فإني سأحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار معنا ثم إنه عمد إلى فرس كان يقاتل عليه فعرقبه وأظهر الندامة والتوبة ووضع التراب على رأسه ثم أتى إلى النصارى فقالوا له من أنت قال : أنا عدوكم بولص فقد نوديت من السماء أنه ليس لك توبة حتى تتنصر وقد تبت وأتيتكم فأدخلوه السكينة ونصروه وأدخلوه بيتا منها لم يخرج منه سنة حتى تعلم الإنجيل ثم خرج وقال قد نوديت أن اللّه قبل توبتك فصدقوه وأحبوه وعلا شأنه فيهم ثم إنه عمد إلى ثلاثة رجال اسم الواحد منهم نسطور والآخر يعقوب والآخر ملكان فعلم نسطور أن عيسى ومريم والإله ثلاثة وعلم يعقوب أن عيسى ليس بإنسان ولكنه ابن اللّه وعلم ملكان أن عيسى هو اللّه لم يزل ولا يزال فلما استمكن ذلك فيهم دعا كل واحد منهم في
الخلوة وقال له : أنت خالصتي وادع الناس لما علمتك وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد ثم قال لهم : إني رأيت عيسى في المنام وقد رضي عني وقال لكل واحد منهم : إني سأذبح نفسي تقربا إلى عيسى ثم ذهب إلى المذبح فذبح نفسه وتفرق أولئك الثلاثة فذهب واحد إلى الروم وواحد إلى بيت المقدس والآخر إلى ناحية أخرى وأظهر كل واحد منهم مقالته ودعا الناس إليها فتبعه على ذلك طوائف من الناس فتفرقوا واختلفوا ووقع القتال فكان ذلك سبب قولهم المسيح ابن الله
. وقال الإمام فخر الدين الرازي، بعد أن حكى هذه الحكاية : والأقرب عندي أن يقال لعله ذكر لفظ الابن في الإنجيل على سبيل التشريف كما ورد لفظ الخليل في حق إبراهيم على سبيل التشريف فبالغوا وفسروا لفظ الابن بالبنوة الحقيقية والجهال قبلوا ذلك منهم وفشا هذا المذهب الفاسد في أتباع عيسى عليه السلام واللّه أعلم بحقيقة الحال ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يعني أنهم يقولون ذلك القول بألسنتهم من غير علم يرجعون إليه قال أهل المعاني : لم يذكر اللّه قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك القول زورا وكذبا لا حقيقة له يُضاهِؤُنَ قال ابن عباس : يشابهون والمضاهاة المشابهة. وقال مجاهد : يواطئون وقال الحسن : يوافقون قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قال قتادة والسدي : معناه ضاهت النصارى قول اليهود من قبلهم فقالوا : المسيح ابن اللّه كما قالت اليهود عزير ابن اللّه. وقال مجاهد : معناه يضاهئون قول المشركين من قبل لأن المشركين كانوا يقولون : الملائكة بنات اللّه وقال الحسن : شبه اللّه كفر اليهود والنصارى بكفر الذين مضوا من الأمم الخالية الكافرة. وقال القتيبي :
يريد أن من كان في عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم من اليهود والنصارى يقولون ما قال أولوهم قاتَلَهُمُ اللَّهُ قال ابن عباس :
لعنهم اللّه وقال ابن جريج : قتلهم اللّه وقيل ليس هو على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب أي حق أن يقال لهم هذا القول تعجبا من بشاعة قولهم كما يقال لمن فعل فعلا يتعجب منه قاتله اللّه ما أعجب فعله أَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني أنى يصرفون عن الحق بعد وضوح الدليل وإقامة الحجة بأن اللّه واحد أحد فجعلوا له ولدا تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا وهذا التعجب راجع إلى الخلق لأن اللّه سبحانه وتعالى لا يتعجب من شيء ولكن هذا