لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٥٩
وخطب الناس في اليوم العاشر بمنى وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الأمر إلى ما وضع اللّه عليه حساب الأشهر يوم خلق السموات والأرض وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض الحديث المتقدم. وأمرهم بالمحافظة على ذلك لئلا يتبدل في مستأنف الأيام واختلفوا في أول من نسأ النسيء. فقال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد : أول من نسأ النسيء، بنو مالك بن كنانة وكان يليه جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان يقوم على الناس في الموسم فإذا همّ الناس بالصدر قام فخطف الناس فيقول لا مرد لما قضيت أنا الذي لا أعاب ولا أجاب فيقول له المشركون لبيك ثم يسألونه أن ينسئهم شهرا يغيرون فيه فيقول : إن صفر في هذا العام حرام فإذا قال ذلك، حلّوا الأوتار، ونزعوا الأسنة، والأزجة من الرماح، وإن قال : حلال، عقدوا أوتار القسي، وركبوا الأسنة في الرماح، وأغاروا وكان من بعد نعيم بن ثعلبة رجل يقال له جنادة بن عوف : وهو الذي أدرك النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو رجل من بني كنانة يقال له القلمس قال شاعرهم :
وفينا ناسئ الشهر القلمس وكانوا يفعلون ذلك إذا اجتمعت العرب في الموسم وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف والذي صح من حديث أبي هريرة وعائشة أن عمرو بن لحي أول من سيب السوائب وقال فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم : رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فهذا ما ورد في تفسير النسيء الذي ذكره اللّه في قوله تعالى إنما النسيء زيادة في الكفر يعني زيادة كفر على كفرهم وسبب هذه الزيادة أنهم أمروا بإيقاع كل فعل في وقته من الأشهر الحرم ثم إنهم بسبب أغراضهم الفاسدة أخروه إلى وقت آخر بسبب ذلك النسيء فأوقعوه في غير وقته من الأشهر الحرم فكان ذلك الفعل زيادة في كفرهم يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرئ : يضل بفتح الياء وكسر الضاد ومعناه يضل اللّه به الطين كفروا أو يضل به الشيطان الذين كفروا بتزيين ذلك لهم وقيل يضل بالنسيء الذين كفروا وقرئ يضل بضم الياء وفتح الضاد ومعناه أن كبارهم أضلوهم وحملوهم عليه وقرئ يضل به الذين كفروا بضم الياء وكسر الضاد ومعناه يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأفعالهم وهذا الوجه أقوى الوجهين في تفسير قراءة من قرأ يضل بضم الياء وكسر الضاد يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً يعني يحلون ذلك الإنساء عاما ويحرمونه عاما والمعنى يحلون الشهر المحرم عاما فيجعلونه حلالا ليغيروا فيه ويحرمونه عاما فيجعلونه محرما فلا يغيرون فيه لِيُواطِؤُا يعني ليوافقوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ يعني أنهم ما أحلوا شهرا من المحرم إلا حرموا شهرا مكانه من الحلال ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة كما حرم اللّه فيكون ذلك موافقة في العدد لا في الحكم فذلك قوله سبحانه وتعالى : فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ قال ابن عباس : زين لهم
الشيطان هذا العمل وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يرشد من هو كافر أثيم لما سبق له في الأزل أنه من أهل النار.