لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٦٥
وأنه من المؤمنين الصادقين الصديقين المخلصين فاختار صحبته في ذلك المكان المخوف لعمله بحاله. ومنها :
أن هذه الهجرة كانت بإذن اللّه فخصّ اللّه بصحبة نبيه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر دون غيره من أهله وعشيرته وهذا التخصيص يدل على شرف أبي بكر وفضله على غيره. ومنها : أن اللّه سبحانه وتعالى عاتب أهل الأرض بقوله تعالى إلا تنصروه فقد نصره اللّه سوى أبي بكر الصديق وهذا دليل على فضله. ومنها : أن سيدنا أبا بكر رضي اللّه تعالى عنه لم يتخلف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر ولا حضر بل كان ملازما له وهذا دليل على صدق محبته وصحة صحبته له ومنها مؤانسته للنبي صلى اللّه عليه وسلم في الغار وبذل نفسه له وفي هذا دليل على فضله. ومنها : أن اللّه سبحانه وتعالى جعله ثاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله سبحانه وتعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار وفي هذا نهاية الفضيلة لأبي بكر رضي اللّه تعالى عنه. وقد ذكر بعض العلماء أن أبا بكر كان ثاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أكثر الأحوال ومنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا الخلق إلى الإيمان باللّه فكان أبو بكر أول من آمن ثم دعا أبو بكر إلى الإيمان باللّه ورسوله فاستجاب له عثمان وطلحة والزبير فآمنوا على يدي أبي بكر ثم حملهم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ومنها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يقف في موقف من غزواته إلا وأبو بكر معه في ذلك الموقف ومنه أنه لما مرض صلى اللّه عليه وسلم قام مقامه في الإمامة فكان ثانيه ومنها أنه ثانيه في تربته صلى اللّه عليه وسلم وفي هذا دليل على فضل أبي بكر الصديق ومنها أن اللّه سبحانه وتعالى نص على صحبة أبي بكر دون غيره بقوله سبحانه وتعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن ومنها أن اللّه سبحانه وتعالى كان ثالثهما ومن كان اللّه معه دل على فضله وشرفه على غيره ومنها إنزال السكينة على أبي بكر واختصاصه بها دليل على فضله واللّه أعلم.
وقوله سبحانه وتعالى : وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها يعني : وأيد النبي صلى اللّه عليه وسلم بإنزال الملائكة ليصرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته. وقيل : ألقى الرعب في قلوب الكفار حتى رجعوا وقال مجاهد والكلبي : أعانه بالملائكة يوم بدر فأخبر اللّه سبحانه وتعالى أنه نصره وصرف عنه كيد الأعداء وهو في الغار في حالة القلة والخوف ثم نصره بالملائكة يوم بدر وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى يعني كلمة الشرك فهي سفلى إلى يوم القيامة وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال ابن عباس : هي كلمة لا إله إلا اللّه فهي باقية إلى يوم القيامة عالية. وقيل : إن كلمة الذين كفروا هي ما كانوا قدروها فيما بينهم من الكيد للنبي صلى اللّه عليه وسلم ليقتلوه وكلمة اللّه هي ما وعده من النصر والظفر بهم فكان ما وعد اللّه سبحانه وتعالى حقا وصدقا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤١]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١)
قوله سبحانه وتعالى : انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا يعني انفروا على الصفة التي يخفف عليكم الجهاد بها وعلى الصفة التي يثقل عليكم فيها وهذان الوصفان يدخل تحتها أقسام كثيرة فلهذا اختلفت عبارات المفسرين فيها.
فقال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة : يعني شبابا وشيوخا. وقال ابن عباس : نشاطا وغير نشاط.
وقال عطية العوفي : ركبانا ومشاة. وقال أبو صالح : خفافا من المال يعني فقراء وثقالا يعني أغنياء. وقال ابن زيد : الخفيف الذي لا ضيعة له والثقيل الذي له الضيعة يكره أن يدع ضيعته.
ويروى عن ابن عباس قال : خفافا أهل اليسرة من المال وثقالا أهل العسرة. وقيل : خفافا يعني من السلاح مقلين منه وثقالا يعني مستكثرين منه. وقيل : مشاغيل وغير مشاغيل. وقيل : أصحاء ومرضى. وقيل : عزابا ومتأهلين. وقيل : خفافا من الحاشية والأتباع وثقالا مستكثرين منهم. وقيل : خفافا يعني مسرعين في الخروج إلى الغزو ساعة سماع النفير وثقالا يعني بعد التروي فيه والاستعداد له والصحيح أن هذا عام لأن هذه الأحوال كلها داخلة تحت قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا يعني على أي حال كنتم فيهما.