لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٧
وقوله تعالى : وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ يعني : ولقد جاءت بني إسرائيل رسلنا ببيان الأحكام والشرائع والدلالات الواضحات ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ يعني بعد مجيء الرسل وبعد ما كتبنا عليهم تحريم القتل فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ يعني بالقتل لا ينتهون عنه وقيل معناه لمجازون حد الحق وإنما قال تعالى وإن كثيرا منهم، لأنه تعالى علم أن منهم من يؤمن باللّه ورسوله وهم قليل من كثير. قوله عز وجل : إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قال ابن عباس نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخيّر اللّه رسوله صلى اللّه عليه وسلم إن يشأ يقتل وإن يشأ يصلب وإن يشأ يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وهذا قول الضحاك أيضا.
وقال الكلبي : نزلت في قوم هلال بن عويمر وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فهو آمن لا يهاج فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بقوم هلال ولم يكن هلال شاهدا فشدوا عليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل عليه السلام بالقضاء فيهم بهذه الآية. وقال سعيد بن جبير : نزلت هذه الآية في قوم من عرينة وعكل أتوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبايعوه على الإسلام وهم كذبة فاستوخموا المدينة، فبعثهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى إبل الصدقة فارتدوا وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل (ق).
عن أنس بن مالك أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم وتكلموا بالإسلام فقالوا : يا نبي اللّه إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف واستوخموا المدينة فأمر لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد الإسلام وقتلوا راعي النبي صلى اللّه عليه وسلم واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فبعث الطلب في أثرهم فأمر بهم فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم. قال قتادة بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. زاد في رواية قال قتادة : فحدثني ابن سيرين إن ذلك قبل إن تزول الحدود.
وفي رواية للبخاري أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم في الحرة يعضون الحجارة. زاد في رواية : قال أبو قلابة وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا وسرقوا، وفي رواية أبي داود إن قوما من عكل أو قال من عرينة قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فما صحوا قتلوا راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واستاقوا النعم فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبرهم من أول النهار فأرسل في آثارهم فلما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة :
فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا اللّه ورسوله زاد في رواية له وأنزل اللّه عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : آية ٣٣]
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣)
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا الآية.
شرح غريب هذا الحديث وحكمه قوله إنا كنا أهل ضرع يعني، أهل ماشية وبادية نعيش باللبن ولسنا من