لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٧٤
وكذا قال القتيبي : الفقير الذي له البلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له وقيل : الفقير الذي له المسكن والخادم والمسكين الذي لا ملك له وقيل : إن كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيا عن غيره قال اللّه سبحانه وتعالى : أنتم الفقراء إلى اللّه فأثبت لهم اسم الفقر مع وجدان المال والجواب عن هذه الحجج أما قوله أو مسكينا ذا متربة فهو حجة لمذهب الإمام الشافعي رضي اللّه تعالى عنه لأنه قيد المسكين المذكور هنا بكونه ذا متربة فدل على أنه قد يوجد مسكين لا بهذه الصفة وإلا لم يبق لهذا القيد فائدة والجواب عن جعل الكفارات للمسكين أنه هو الفقير الذي لصق جلده بالتراب من شدة المسكنة والجواب عن الاستدلال ببيت الراعي إنه ذكر الفقير وجده فكل فقير أفرد بالاسم جاز إطلاق المسكين عليه فسقط الاستدلال به وأما الروايات المذكورة فهي معارضة بما تقدم من الروايات عن ابن عباس وغيره من المفسرين. وبالجملة أن الفقر والمسكنة عبارتان عن شدة الحاجة وضعف الحال فالفقير هو الذي كسرت الحاجة فقار ظهره والمسكين هو الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت.
عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال :«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» أخرجه النسائي وأبو داود وله في رواية أخرى «و لا لذي مرة قوي» عن عبيد اللّه بن عدي بن الخيار قال «أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو في حجة الوداع وهو يقسم الصدقات فسألاه منها فرفع فينا النظر وخفضه فرآنا جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» أخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه الشافعي ولفظه «أن رجلين أتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألاه عن الصدقة فقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب» واختلف العلماء في حد الغنى الذي يمنع من أخذ الصدقة فقال الأكثرون حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة وهو قول مالك والشافعي. وقال أصحاب الرأي : حده أن يملك مائتي درهم.
وقال قوم : من ملك خمسين درهما أو قيمتها لا تحل له الصدقة لما روي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
«من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجه خموش أو خدوش أو كدوح قيل يا رسول اللّه وما يغنيه قال : خمسون درهما أو قيمتها من الذهب» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وهذا قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقالوا : لا يجوز أن يعطى الرجل أكثر من خمسين درهما من الزكاة وقيل : أربعين درهما لما روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» أخرجه أبو داود وكانت الأوقية في ذلك الزمان أربعين درهما الصنف الثالث قوله سبحانه وتعالى : وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وهم السعاة الذين يتولون جباية الصدقات وقبضها من أهلها ووضعها في جهتها فيعطون من مال الصدقات بقدر أجور أعمالهم سواء كانوا فقراء أو أغنياء وهذا قول ابن عمر وبه. قال الشافعي وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن من الصدقات.
وظاهر اللفظ مع مجاهد إلا أن الشافعي يقول : هو وأجرة عمل تتقدر بقدر العمل والصحيح أن الهاشمي والمطلبي لا يجوز أن يكون عاملا على الصدقات لما روي عن أبي رافع أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة فأراد أبو رافع أن يتبعه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لا تحل لنا الصدقة وأن مولى القوم منهم» أخرجه الترمذي والنسائي الصنف الرابع قوله تعالى : وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم قسمان : قسم مسلمون وقسم كفار فأما قسم المسلمين فقسمان القسم الأول هم قوم من أشراف العرب كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعطيهم من الصدقات يتألفهم بذلك كما أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس السلمي فهؤلاء أسلموا وكانت نيتهم ضعيفة فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعطيهم لتقوى رغبتهم في الإسلام وقوم أسلموا وكانت نيتهم قوية في الإسلام وهم أشراف قومهم مثل عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعطيهم تألفا لقومهم وترغيبا لأمثالهم في الإسلام فيجوز للإمام أن يعطي أمثال هؤلاء من خمس خمس الغنيمة والفيء من سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعطيهم من ذلك ومن الصدقات أيضا. القسم الثاني من مؤلفة المسلمين هم قوم من المسلمين يكونون بإزاء قوم كفار في موضع لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بكلفة كبيرة ومؤنة عظيمة وهؤلاء الذين بإزائهم من المسلمين