لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٧٩
وقفوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها وتنكروا له في ليلة مظلمة فأخبر جبريل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما قد أضمروا له وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم وكان معه عمار بن ياسر يقود ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحذيفة يسوقها فقال لحذيفة : اضرب وجوه رواحلهم فضربها حذيفة حتى نحاهم عن الطريق فلما نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم؟ قال لم أعرف منهم أحدا يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
فإنهم فلان وفلان حتى عدّهم كلهم فقال حذيفة هلا بعثت إليهم من يقتلهم فقال : أكره أن تقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيناهم اللّه بالدبيلة (م) عن قيس بن عباد قال : قلت لعمار : أرأيت قتالكم أرأيا رأيتموه فإن الرأي يخطئ ويصيب أم عهدا عهده إليكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال ما عهد إلينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة وقال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «إن في أمتي» قال شعبة وأحسبه قال حدثني حذيفة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم».
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧)
قوله سبحانه وتعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ الآية وسبب نزولها على ما قال زيد بن أسلم أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما لقرائنا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء؟ فقال له عوف بن مالك : كذبت ولكنك منافق ولأخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه. قال زيد : قال عبد اللّه بن عمر : فنظرت إليه، يعني إلى المنافق، متعلقة بحقب ناقة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنكبه الحجارة يقول إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أبا للّه وآياته ورسوله كنتم تستهزءون» ما يزيده قال محمد بن إسحاق الذي قال هذه المقالة فيما بلغني هو وديعة بن ثابت أخو أمية بن زيد بن عمرو بن عوف.
وقال قتادة :«بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فأطلع اللّه نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم على ذلك فقال نبي صلى اللّه عليه وسلم احبسوا على الركب فأتاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبي اللّه إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل اللّه فيهم ما تسمعون» وقال الكلبي ومقاتل :«كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين اثنان منهم يستهزئان بالقرآن والرسول والثالث يضحك» قيل كانوا يقولون إن محمدا يزعم أنه يغلب الروم ويفتح مدائنهم ما أبعده من ذلك.
وقيل : كانوا يقولون إن محمدا يزعم أنه أنزل في أصحابنا قرآن إنما هو قوله وكلامه فأطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك. فقال : احبسوا على الركب فدعاهم. وقال لهم : قلتم كذا وكذا فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب، ومعنى الآية : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما كانوا يقولون فيما بينهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب يعني كنا نتحدث ونخوض في الكلام كما يفعله الركب يقطعون الطريق باللعب والحديث، وأصل الخوض : الدخول في