لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٨٩
عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال : يا رسول اللّه مالي ثمانية آلاف درهم جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل اللّه وأمسكت أربعة آلاف لعيالي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : بارك اللّه لك فيما أعطيت وفيما أمسكت فبارك اللّه في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم وتصدق يومئذ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر وقال : يا رسول اللّه بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لعيالي وأتيتك بالآخر فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ينثره في الصدقات فلمزهم المنافقون.
فقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء وإن اللّه ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ولكن أحب أن يذكر نفسه ليعطي من الصدقة فأنزل اللّه سبحانه وتعالى الذين يلمزون يعيبون المطوعين يعني المتبرعين من المؤمنين يعني عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي في الصدقات والتطوع التنفل بما ليس بواجب عليه وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ يعني أبا عقيل الأنصاري والجهد بالضم الطاقة وهي لغة أهل الحجاز وبالفتح لغيرهم وقيل : الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة وقد يكون القليل من المال الذي يأتي به فيتصدق به أكثر موقعا عند اللّه تعالى من الكثير الذي يأتي به فيتصدق به لأن الغني أخرج ذلك المال الكثير عن قدرة وهذا الفقير أخرج القليل إنما أخرجه عن ضعف وجهد وقد يؤثر المحتاج إلى المال غيره رجاء ما عند اللّه تعالى كما قال سبحانه وتعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يعني أن المنافقين كانوا يستهزئون بالمؤمنين في إنفاقهم المال في طاعة اللّه تعالى وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم وهو قولهم لقد كان اللّه عن صدقة هؤلاء غنيا وكانوا يعيرون الفقير الذي يتصدق بالقليل ويقولون : إنه لفقير محتاج إليه فكان يتصدق به وجوابهم إن كل من يرجو ما عند اللّه من الخير والثواب يبذل الموجود لينال ذلك الثواب الموعود به وقوله سبحانه وتعالى : سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ يعني أنه سبحانه وتعالى جازاهم على سخريتهم ثم وصف ذلك وهو قوله تعالى : وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الآخرة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)
قوله سبحانه وتعالى : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قال المفسرون : لما نزلت الآيات المتقدمة في المنافقين وبان نفاقهم وظهر للمؤمنين جاءوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتذرون إليه ويقولون استغفر لنا فنزلت استغفر لهم أو لا تستغفر فلن يغفر اللّه لهم وإنما خص سبحانه وتعالى السبعين من العدد بالذكر لأن العرب كانت تستكثر السبعين ولهذا كبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما صلى على عمه حمزة رضي اللّه تعالى عنه سبعين تكبيرة ولأن آحاد السبعين سبعة وهو عدد شريف فإن السموات والأرضين سبع والأيام سبع والأقاليم سبع والبحار سبع والنجوم السيارة سبع فلهذا خص اللّه تبارك وتعالى السبعين بالذكر للمبالغة في اليأس من طمع المغفرة لهم. قال الضحاك ولما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه قد رخص لي فسأزيدن على السبعين لعل اللّه أن يغفر لهم فأنزل اللّه سبحانه وتعالى سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فلن يغفر اللّه لهم (ق) عن ابن عمر قال : لما توفي عبد اللّه يعني بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد اللّه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنما خيرني اللّه عز وجل


الصفحة التالية
Icon