لباب التأويل، ج ٢، ص : ٣٩١
يعني إلى المتخلفين عنك وإنما قال منهم لأنه ليس كل من تخلف بالمدينة عن غزوة تبوك كان منافقا مثل أصحاب الأعذار فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ يعني فاستأذنك المنافقون الذين تخلفوا عنك وتحقق نفاقهم في الخروج معك إلى غزوة أخرى فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً يعني فقل يا محمد لهؤلاء الذين طلبوا الخروج وهم مقيمون على نفاقهم لن تخرجوا معي أبدا لا إلى غزوة ولا إلى سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ يعني لأنكم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني أنكم رضيتم بالتخلف عن غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ يعني : مع المتخلفين من النساء والصبيان. وقيل : مع المرضى والزمنى. وقال ابن عباس : مع الذين تخلفوا بغير عذر. وقيل : مع المخالفين يقال صاحب خالف إذا كان مخالفا كثير الخلاف وفي الآية دليل على أن الرجل إذا ظهر منه مكروه وخداع وبدعة يجب الانقطاع عنه وترك مصاحبته لأن اللّه سبحانه وتعالى منع المنافقين من الخروج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى الجهاد وهو مشعر بإظهار نفاقهم وذمهم وطردهم وإبعادهم لما علم من مكرهم وخداعهم إذا خرجوا إلى الغزوات.
قوله عز وجل : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً الآية، قال قتادة : بعث عبد اللّه بن أبي بن سلول إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مريض ليأتيه قال فنهاه عمر عن ذلك فأتاه نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما دخل عليه نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : أهلكك حب اليهود فقال يا نبي اللّه إني لم أبعث إليك لتؤنبني ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله قميصه أن يكفن فيه فأعطاه إياه واستغفر له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمات فكفنه في قميصه صلى اللّه عليه وسلم ونفث في جلده ودلاه في قبره فأنزل اللّه سبحانه وتعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية (خ).
عن عمر بن الخطاب : قال لما مات عبد اللّه بن أبي بن سلول دعى له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول اللّه أتصلي عليه فلما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول اللّه أتصلي على ابن أبي بن سلول وقد قال يوم كذا كذا وكذا عدد عليه قوله فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال : أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إلى قوله وهم فاسقون قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ واللّه ورسوله أعلم. وأخرجه الترمذي وزاد فيه فما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه اللّه تعالى (ق) عن جابر قال : أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه واللّه أعلم. قال : وكان كسا عباسا قميصا قال سفيان وقال أبو هارون :
وكان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قميصان فقال له ابن عبد اللّه يا رسول اللّه ألبس عبد اللّه قميصك الذي يلي جلدك. قال سفيان : فيرون أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أليس عبد اللّه قميصه مكافأة لما صنع وفي رواية عن جابر قال : لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى اللّه عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد اللّه بن أبي يقدر عليه فكساه النبي إياه فلذلك نزع النبي صلى اللّه عليه وسلم قميصه الذي ألبسه.
( (فصل)) قد وقع في هذه الأحاديث التي تتضمن قصة موت عبد اللّه بن أبي بن سلول المنافق صورة اختلاف في الروايات ففي حديث ابن عمر المتقدم، أنه لما توفي عبد اللّه بن أبي بن سلول أتى ابنه عبد اللّه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه وأن يصلي عليه فأعطاه قميصه وصلى عليه وفي حديث عمر بن الخطاب من إفراد البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعى له ليصلي عليه. وفي حديث جابر : أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتاه بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه. قميصه ووجه الجمع بين هذه الروايات أنه صلى اللّه عليه وسلم