لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٢٨
قوله عز وجل : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ تقدم تفسير هذا في سورة الأعراف بما فيه كفاية.
وقوله سبحانه وتعالى : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قال مجاهد : يقضيه وحده. وقيل : معنى التدبير، تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها. وقيل : إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي. وقيل : معناه إنه سبحانه وتعالى يدبر أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات والأرض فلا يحدث حدث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي إلا بإرادته وتدبيره وقضائه وحكمته ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يعني : لا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن له في الشفاعة لأنه عالم بمصالح عباده وبموضع الصواب والحكمة في تدبيرهم فلا يجوز لأحد أن يسأله ما ليس له به علم فإذا أذن له في الشفاعة كان له أن يشفع فيمن يأذن له فيه وفيه رد على كفار قريش في قولهم : إن الأصنام تشفع لهم عند اللّه يوم القيامة فأخبر اللّه سبحانه وتعالى أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لأن له التصرف المطلق في جميع العالم ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ يعني الذي خلق هذه الأشياء ودبرها هو ربكم وسيدكم لا رب لكم سواه فَاعْبُدُوهُ أي فاجعلوا عبادتكم له لا لغيره لأنه المستحق للعبادة بما أنعم عليكم من النعم العظيمة أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الدلائل والآيات التي تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى : إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً يعني إلى ربكم الذي خلق جميع المخلوقات مصيركم جميعا أيها الناس يوم القيامة والمرجع بمعنى الرجوع وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا يعني وعدكم اللّه ذلك وعدا حقا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي يحييهم ابتداء ثم يميتهم ثم يحييهم وهذا معنى قول مجاهد فإنه قال يحييه ثم يميته ثم يحييه.
وفي هذه الآية دليل على إمكان الحشر والنشر والمعاد وصحة وقوعه ورد على منكري البعث ووقوعه، لأن القادر على خلق هذه الأجسام المؤلفة والأعضاء المركبة على غير مثال سبق، قادر على إعادتها بعد تفرقها بالموت والبلى، فيركب تلك الأجزاء المتفرقة تركيبا ثانيا ويخلق الإنسان الأول مرة أخرى وكما لم يمتنع تعلق هذه النفس بالبدن في المرة الأولى لم يمتنع تعلقها بالبدن مرة أخرى وإذا ثبت القول بصحة المعاد والبعث بعد الموت كان المقصود منه إيصال الثواب للمطيع والعقاب للعاصي وهو قوله سبحانه وتعالى : لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ يعني بالعدل لا ينقص من أجورهم شيئا وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ هو ماء حار قد انتهى حره وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥ الى ٧]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً يعني ذات ضياء وَالْقَمَرَ نُوراً يعني ذا نور.
واختلف العلماء أصحاب الكلام في أن الشعاع الفائض من الشمس هل هو جسم أو عرض، والحق أنه عرض وهو كيفية مخصوصة فالنور اسم لأصل هذه الكيفية والضوء اسم لهذه الكيفية إذا كانت كاملة تامة قوية فلهذا خص الشمس بالضياء لأنها أقوى وأكمل من النور وخص القمر بالنور لأنه أضعف من الضياء ولأنهما لو تساويا لم يعرف الليل من النهار فدل ذلك على أن الضياء المختص بالشمس أكمل وأقوى من النور المختص