لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٣٤
التوحيد إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يعني المشركون وهذا وعيد وتأكيد لما سبق.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٨ الى ٢١]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ يعني : ويعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإن العبادة أعظم أنواع التعظيم فلا تليق إلا بمن يضر وينفع ويحيي ويميت وهذه الأصنام جماد وحجارة لا تضر ولا تنفع وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ يعني الأصنام التي يعبدونها شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قال أهل المعاني : توهموا أن عبادتها أشد من تعظيم اللّه من عبادتهم إياه وقالوا لسنا بأهل أن نعبد اللّه ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام فإنها تكون شافعة لنا عند اللّه ومنه قوله سبحانه وتعالى إخبارا عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى وفي هذه الشفاعة قولان :
أحدهما : أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة قاله ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني : أنها تشفع لهم في الدنيا في إصلاح معايشهم قاله الحسن لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثا بعد الموت قُلْ أي قل لهم يا محمد أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ يعني : أتخبرون اللّه أن له شريكا ولا يعلم اللّه لنفسه شريكا في السموات ولا في الأرض. وهذا على طريق الإلزام. المقصود : نفي علم اللّه بذلك الشفيع وأنه لا وجود له البتة لأنه لو كان موجودا لعلمه اللّه وحيث لم يكن معلوما للّه وجب أن لا يكون موجودا ومثل هذا مشهور في العرف فإن الإنسان إذا أراد نفي شيء حصل في نفسه يقول : ما علم اللّه ذلك مني مقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ نزه اللّه سبحانه وتعالى نفسه عن الشركاء والأضداد والأنداد وتعالى أن يكون له شريك في السموات والأرض ولا يعلمه.
قوله سبحانه وتعالى : وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يعني : فتفرقوا إلى مؤمن وكافر يعني كانوا جميعا على الدين الحق وهو دين الإسلام ويدل على ذلك أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين الإسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا. وقيل : بقوا على ذلك إلى زمن نوح عليه السلام ثم اختلفوا فبعث اللّه نوحا.
وقيل : إنهم كانوا على دين الإسلام وقت خروج نوح ومن معه من السفينة ثم اختلفوا بعد ذلك وقيل كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. فعلى هذا القول، يكون المراد من الناس في قوله وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً العرب خاصة.
وقيل : كان الناس أمة واحدة في الكفر. وهذا القول منقول عن جماعة من المفسرين ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة : فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وتقديره : أنه لا مطمع في أن يصير الناس على دين واحد فإنهم كانوا أولا على الكفر وإنما أسلم بعضهم ففيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : كان الناس أمة واحدة. وليس في الآية ما يدل على أي دين كانوا من إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج. وقيل :