لباب التأويل، ج ٢، ص : ٤٤
بقي على وجه الأرض بما أنزل اللّه على موسى عليه السلام في التوراة قال فأرسلوا إليه ففعلوا فلما جاء قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم أنت ابن صوريا؟ قال نعم، قال : أنت أعلم يهودي؟ قال كذلك يقولون فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لليهود تجعلونه بيني وبينكم قالوا نعم فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لابن صوريا :«ناشدتك باللّه الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون وبالذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على المحصن؟» فقال ابن صوريا :
اللهم نعم والذي ذكرتني به لولا خشيت أن ينزل علينا العذاب إن كذبت وغير ما اعترفت لك ولكن كيف هي في كتابكم يا محمد؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليهما الرجم. فقال ابن صوريا : والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل اللّه في التوراة على موسى فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : فما كان أول ما ترخصتم به في أمر اللّه تعالى؟ فقال ابن صوريا : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في امرأة من قومه فأراد الملك رجمه فقام قومه دونه وقالوا واللّه لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم وهو أن يجلد أربعين جلدة بحبل مطلي بقار ثم تسود وجوههما ثم يحملان على حمارين ووجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما فجعلوا ذلك مكان الرجم. فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته وما كنت لما أثنينا عليك بأهل ولكنك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك. فقال لهم ابن صوريا : إنه قد ناشدني بالتوراة ولولا خشيت أن ينزل علينا العذاب ما أخبرته. فأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بهما فرجما عند باب المسجد وقال :«اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه» فأنزل اللّه هذه الآية (ق) عن ابن عمر قال إن اليهود جاءوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكروا له أن امرأة منهم ورجلا زنيا فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا : نفضحهم ويجلدون فقال عبد اللّه بن سلام :
كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد اللّه بن سلام : ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما النبي صلى اللّه عليه وسلم فرجما قال : فرأيت الرجل ينحني على المرأة يقيها الحجارة. وفي رواية أخرى لهما قال :«أتي النبي صلى اللّه عليه وسلم برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود ما تصنعون بهما قال نفحم وجوههما ونخزيهما قال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاؤوا بها فقال الرجل ممن يرضون أعور اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليها فقال ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم تلوح، فقال : يا محمد إن فيها الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما فرأيته يحنى» زاد في رواية أخرى :«فرجما قريبا موضع الجنائز قرب المسجد» (م) عن البراء بن عازب قال :«مر على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟
قالوا : نعم. فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك باللّه الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال : لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم فأنزل اللّه : يا أيها الرسول» لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر، إلى قوله، إن أوتيتم هذا فخذوه. يقول : ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فاحذروه فأنزل اللّه تبارك وتعالى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ في الكفار كلها. التحميم هو تسويد الوجه بالحمم وهو الفحم وقوله ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ قال العلماء : هذا السؤال من النبي صلى اللّه عليه وسلم ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما